نبذة النيل والفرات:يصعب الإحاطة بسبل التخطيطات التي تركتها مخيلة أحد أهم أسانيد النحت العراقي المعاصر دون اقتراح مداخل نقدية تحيط بالمراكز التي تتمحور حولها بنية هذه التخطيطات، موضوعات كانت أو تراكيب تصويرية تعطي ما يكفي من الثقة من أننا إزاء أسلوبية ذات فذاذة، فليست هذه النماذج سوى رصيد من النضج المتواصل من التداعيات بروافدها ا...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:يصعب الإحاطة بسبل التخطيطات التي تركتها مخيلة أحد أهم أسانيد النحت العراقي المعاصر دون اقتراح مداخل نقدية تحيط بالمراكز التي تتمحور حولها بنية هذه التخطيطات، موضوعات كانت أو تراكيب تصويرية تعطي ما يكفي من الثقة من أننا إزاء أسلوبية ذات فذاذة، فليست هذه النماذج سوى رصيد من النضج المتواصل من التداعيات بروافدها السيولوجية والوجدانية، والمعرفية، كما أنها مشاهدات مستغرقة ومتفاعلة مع تاريخ شعب يستند إلى مركب ثقافي من الغنى ما يتيح للفنان لأن يقيم فيه كخيار لا يتزعزع مما حوله فنه بوجه العموم إلى ضرب من الإيمان من أن ما يفعله شيء يشبه العبادة.أليس الفن جرياً متواصلاً وراء ممكنات الجمال والجلال؟ ألم يكن الفنان الرافديني الأول يمارس الشيء نفسه حين أحاط نظرته لقوى الوجود بطابع قدسي؟ ألم تحمل زخرفيات الفن العربي الإسلامي هذين المفهومين في تجادلية قل نظيرها؟ محمد غني حكمت ينتمي لهذه السلالة دون شك، ويميل إلى جعل فنه بوجه الإجمال، وتخطيطاته بوجه التخصيص تتخذ طابعاً تحويلياً دون انقطاع، بحيث يمحو فكرتنا التقليدية عن الجمال المحمول على المواصفات الأسلوبية.فهذه النماذح بكثرتها الكاثرة كماً وكيفاً، مثال حيّ لمعنى الجدل الداخلي الذي يشد البنى التصويرية شحاً، مما يجعلها فضاءً مرناً لتوليد الصور دون انقطاع، إذ يتعذر على المتلقي أن يعثر على مواضع بنائية مكررة! فالوظائفية المتحكمة فيها تتيح لها هذا القول وإن تباينت المداخل للخط، إذ تارة يبدو ذا نسق عاطفي طروب، وآخر ذا وجهة سسيولوجية، تارة جمالي محض... أياً كانت وجهته، فإن الفنان يحافظ على صدقية مشاعره حيال موضوعاته الاجتماعية، أو الفولكلورية أو الإنسانية، بالمعنى الأعم، وتخطيطاته -بعد+ئذٍ- تجدد الثقة بما حولنا، وتقطع الشك باليقين من أن مشاهداته بتنويعاتها لا تلبث أن تغدو بديلاً جمالياً متصلاً لما نراه في محيطنا البيئي مما يبعد عنها تهمة المجاراة أو الخضوع للفلوكلورية والمنظومة المحيطة به من حكايات شعبية، ومعتقدات، وقصص فوارق، وما إلى ذلك فما كانت هذه البيئة إلا حفلاً دلالياً متمركزاً في الذاكرة الجمعية ويصف تجاهل سلطتها، غير أنه ينكب في إجراءاته مستنطقاً قواها الداخلية، محدثاً إزاحات لازمة بما يجعل من نصوصه التخطيطية ذات استقلالية فاتحة الطريق أمام خياله للتدفق، وبمقدورنا القول هنا: إنها تمثل مذهباً نحتياً مجتهداً ضمن أساليب النحت العراقي المعاصر التي تمثلت المشاهد الواقعية والميتاواقعية مما يجعلها رسالة بمقدورنا الاطمئنان على رمامتها لأنها توفر ما يكفي من أساليب المنعة بوجه التخطيط الذي يجلبه المفهم المشوش للحداثة.