إن غاية هذا الكتاب ليست مقصورة على إيقاف القارئ الكريم على حقيقة الأمير بشير الثاني وصفة حاله فحسب، بل أيضاً إطلاعه على النهج الذي جرى عليه كتبة التاريخ عندما وصفوا هذا الأمير بأنه "أمير لبنان"، وفي الحقيقة والواقع إن هذه العبارة استعملت في غير موضعها بلا تدبّر ولا إحكام، بل استعملت لتدل على معنّى بعينه، هو أن "تاريخ لبنان الحدي...
قراءة الكل
إن غاية هذا الكتاب ليست مقصورة على إيقاف القارئ الكريم على حقيقة الأمير بشير الثاني وصفة حاله فحسب، بل أيضاً إطلاعه على النهج الذي جرى عليه كتبة التاريخ عندما وصفوا هذا الأمير بأنه "أمير لبنان"، وفي الحقيقة والواقع إن هذه العبارة استعملت في غير موضعها بلا تدبّر ولا إحكام، بل استعملت لتدل على معنّى بعينه، هو أن "تاريخ لبنان الحديث" نشأ منذ حكم الأمراء الشهابيين، لا بل منذ حكم الأمراء المعنيين، فلذلك نعتوا الأمير فخر الدين المعني الثاني بأنه "مُؤسّس لبنان الحديث"...غير أن الحقائق التي يكشف عنها هذا الكتاب ويثبت دعامتها، تنقض ما ذهب إليه كتبة التاريخ من فاسد المذهب وباطل القول مما شاع من قَبْل في تحديد منشأ "تاريخ لبنان الحديث" وتبيين ماهيّته.إن هذا الكتاب يتيح لك مطالعة طائفة من الأخبار والوقائع الخارجية الثابتة، التي جهد واضع هذا الكتاب في سبيل الحصول عليها جهداً كبيراً حتى غدت بين يديك الآن، وهي تدلك على أن تاريخ "الإمارة" كله لم يحوِ بين دفتيه ذكراً سيّئاً لأمير مثل ما يحوي من ذلك للأمير بشير الثاني.بيد أن الأمر الذي يقف عنده الباحث المدقّق مدهوشاً، هو أن الكتبة، الذين إستخدموا عقيدتهم الدينية لكتابة التاريخ، أطلقَوا لهواهم العِنان، فشرعوا يصفون الأمير بشيراً أوصافاً هي عبارة عن إستنتاجات غير صحيحة، منها، مثلاً، أنه "من أكبر وأعظم أمراء لبنان... عبر التاريخ"، و"أحد أبرز ولاة الشرق العربي ومساوئه، بحيث يتراءى للناظر أن هناك رجلاً عظيماً حقاً وما هناك في الواقع سوى "ملتزم" (كما دلت الرسائل على ذلك) إستعبد رعيّته وأرهقها بالضرائب التعسّفية، وإستباح لنفسه التطوّح في البغْي والجوْر والعتوّ والإستبداد، إبتغاء الإحتفاظ بمنصبه.إن الغاية من هذا الكتاب أن لا تظلّ الحقائق وراء الحجاب...