منذ ستين عاما وقضية القدس وفلسطين تتربع في قلوب العرب والمسلمين؛ فتثير شجونهم وآلامهم، وتعانق العبرات والدماء والآمال والأحلام!ورغم هذه المكانة السامقة فإننا مع الأسف الشديد لم نستطع أن نصنع خطابا عمليا منهجيا يجعلنا نكسب القضية ونجعل العالم في صفنا؛ إننا نحتاج إلى لغة جديدة نتحدث بها، لغة مفرداتها وجملها أرقام وإحصائيات، وأسلوب...
قراءة الكل
منذ ستين عاما وقضية القدس وفلسطين تتربع في قلوب العرب والمسلمين؛ فتثير شجونهم وآلامهم، وتعانق العبرات والدماء والآمال والأحلام!ورغم هذه المكانة السامقة فإننا مع الأسف الشديد لم نستطع أن نصنع خطابا عمليا منهجيا يجعلنا نكسب القضية ونجعل العالم في صفنا؛ إننا نحتاج إلى لغة جديدة نتحدث بها، لغة مفرداتها وجملها أرقام وإحصائيات، وأسلوبها علمي منطقي، هذه هي اللغة التي نجح عدونا في أن يطورها ويتعامل بها مع أنه على الباطل، وفشلنا نحن رغم أننا على الحق.كما أننا نحتاج إلى ثقافة شعبية عامة حول قضية القدس وفلسطين، ثقافة تنزل من البرج العاجي- الذي يعيش فيه خاصة مثقفينا- إلى الشارع العربي الذي يمثل الشريحة العريضة في المجتمع، ثقافة تبسط لهم المفاهيم وتزيل الشبهات وتوضح مختلف الأبعاد، وخيرا فعلت أختنا الكريمة الأستاذة سعاد مبروك حينما وضعت مادة هذا الكتاب، مراعية في خطابها هذه الشريحة التي لا يمكن أن يتجاهلها أحد، فجاء كتابها بمثابة حديقة حافلة بشتى الزهور والرياحين في قالب يتناسب مع ثقافة مجتمعاتنا العربية التي لا تطيق صبرا على القراءة، وتريد كبسولة أشبه بالوجبات السريعة! وقبل أن أترك قلمي متمنيا لكم رحلة شائقة نافعة مع هذا الكتاب القيم أراني مدفوعًا إلى التركيز على:· أننا لسنا ضد اليهودية معتقدًا أو جنسًا، ولكننا ضد الظلم والطغيان واحتلال الأرض وتدنيس المقدسات وإهلاك الحرث والنسل.· أنه ينبغي ألا تئد أحلامَنا موجة اليأس والتخاذل وواقع الذل والمهانة، فنتنازل منطلقين من إفرازات هذا الواقع الأليم ليس عن حقوقنا فحسب، وإنما أيضا عن حقوق الأجيال القادمة؛ فالأوطان والمقدسات ليست سلعة تُباع أو تُشترى، فهي وقف ليس من حق إنسان كائنا مَن كان أن يتنازل عنه تحت أي ظرف من الظروف.· أن ما تمر به الأمة الآن ليس هو الأسوأ؛ بل سبق أن مرت الأمة بأسوأ منه، واستطاعت بفضل الله ثم بجهود المخلصين من أبنائها أن تجتاز هذه المحن. ونكون قد جانبنا الصواب إذا أسندنا أمر الإفاقة برمته إلى شخص بعينه؛ فمثلا ظاهرة صلاح الدين ليست ظاهرة بطولة فردية خارقة، ولكنها خاتمة ونهاية ونتيجة مقدرة لعوامل التجديد ولجهود أمة بأكملها، وثمرة مائة عام من محاولات التجديد والإصلاح؛ ولهذا فهي نموذج قابل للتكرار.· وأخيرا فلتعلموا يا أمل الأمة المرتقب، ويا أصحاب الأيادي المتوضئة، والقلوب الطاهرة، والأخلاق العالية، والأحلام البريئة التي لا تدنسها شهوات زائلة أن الأرض يرثها عباد الله الصالحون، "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ"[الأنبياء: 105]، وأن الله ينصر عباده المؤمنين "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ"[الروم: 47]، وأن النور قادم من نهاية النفق، وخفافيش الظلام سترحل، والليل حتمًا سيزول.. ومعه سيزول كل مَن سفكوا دماء الأبرياء.. وكل من سلبوا قوت الفقراء.. وكل من سرقوا البسمة من عين الصغار.. وكل من باعوا الأرض ودنسوا الأعراض.. وكل من وأدوا أحلام الطفولة والكهولة والشباب.. وكل مَن هَرَّبُوا الأموالَ وتركوا الفقراء يتسولون في الطرقات.والله أسأل أن يجزي الأخت الفاضلة خير الجزاء على هذا الجهد الرائع المبارك الذي يساهم في تأصيل ثقافة شعبية واعية لتلك القضية المقدسة، كما أسأله تعالى أن يكتب لهذا العمل القبول؛ إنه نعم المولى ونعم النصير.