تدور أحداث القصة حول محور أساسي يبرهن فيه الكاتب على وحدة الشعور القومي ووحدة المشكلات التي تواجه المجتمع العربي في أقطار الوطن العربي، وكذلك وعلى وحدة المصير التي تربط تلك الأقطار، متخذاً من مسرح القصة الواقع بين بغداد وبيروت. ومن أشخاصها أحمد وداليا، انموذجاً. ويبدو ذلك واضحاً في عناوين الأحداث الكبرى. ولعلَّ عبارة داليا (صفحة...
قراءة الكل
تدور أحداث القصة حول محور أساسي يبرهن فيه الكاتب على وحدة الشعور القومي ووحدة المشكلات التي تواجه المجتمع العربي في أقطار الوطن العربي، وكذلك وعلى وحدة المصير التي تربط تلك الأقطار، متخذاً من مسرح القصة الواقع بين بغداد وبيروت. ومن أشخاصها أحمد وداليا، انموذجاً. ويبدو ذلك واضحاً في عناوين الأحداث الكبرى. ولعلَّ عبارة داليا (صفحة 23) توجز ذلك، إذ تقول: (وعذابك يا أحمد هو من عذابات بغداد... وعذابي من عذابات بيروت... لا تخف فأنا وأنت معاً). ويذلل أحمد التشاؤم قائلاً: (بغداد تضحك عليهم رغم الجراح، كما تضحك بيروت...).في الصفحة 11 من الكتاب، يقول الحديثي: (وجدت نفسي أحدق في شاشة التلفاز، فأرى ما يوحي بصيف ساخن في لبنان، وصيف أكثر سخونة في بغداد، وأسمع رجال السياسة، وأرى دموع تماسيح على ما يجري هنا وهناك).من هذا المشهد تنطلق رؤية المؤلف لوصف رحلته الطويلة بين العاصمتين، ابتداء مما قيل له أن (ليل بيروت نهار، وبيروت لا تنام)، وهذا يعود إلى ما قلب الحرب الأهلية، ومما عاشه في بغداد قبل الاحتلال، إذ كانت (نهاراتي فرح... وحياتي مليئة بكل ما يأتي بالسعادة).ما بين مشهديْ الأمس واليوم في بغداد وبيروت ملأ المؤلف مساحات الزمن الفاصل بينهما بحفنات من الدفق الوجداني شديد الحرارة، ليقول في الصفحة 11 على لسان داليا صديقته في بيروت: (كم هو شديد هذا الحزن الذي يفتك بي؟... كم هو مخيف هذا الدمار الذي نراه الآن في بيروت؟). ليستطرد قائلاً: (كما أنظر أنا إلى الشاشة لأرى ما حلَّ ببغداد...).ففي لبنان يرسم المؤلف المشهد المخيف من مناظر (الدبابات والشاحنات الإسرائيلية اكتسحت الجنوب، والطائرات تقصف بيروت)، وفي بغداد (الحرب مع إيران أكلت الأخضر واليابس... والحرب الأخيرة التي اقتحمت بها القوات الأميركية بلادكم، وجاءت بمن لا يحسبون للوطن حساباً). (صفحة 14).وتشخص داليا أن الأسباب كامنة في: (إنها أجندة دولية...).ولإقناع القارئ يسرد المؤلف وقائع ما جرى معه في الأسر الإيراني، حيث أنه دفع ثمناً من حسابه الشخصي في الحرب، إذ وقع أسيراً في إيران. حينذاك يقول الكاتب (صفحة 15 و16): (جاؤوا بنا حفاة عراة... ويفاجئنا السجان في كل لحظة بالضرب والشتم، ويبصق في وجههنا)،ولكي لا نقع في اليأس يتذكر في سجنه أن في آخر النفق نوراً يعيد الأمل، ويفعل ذلك عندما يعيد إلى ذاكرتنا تلك الصورة المشرقة عندما كان في بيروت، حيث كان غير (مكترث للمذاهب) قائلاً: (لم يسألني... أي شخص من أي مذهب أنت)، على العكس مما يجري الآن (صفحة 20)، (أسمع... عن.. القتل على الهوية، والتهجير من مدينة إلى أخرى...).ومن جانب آخر، يخاطب بغداد تحت الاحتلال كي لا تحزن، لأننا كما يعبر عن ذلك (صفحة 21) قائلاً: (بغداد... لا تحزني...)، سـ(تعود الابتسامة إليك، وستذهب الهمرات والدبابات... وتبقى أسماؤنا وهوياتنا كما كانت).وبعد أن يستوفي أغراضه من قصته التي تصب في مجرى الأدب السياسي في المحنة العربية الراهنة، وفي المراحل الأخيرة من القصة، يتحفنا الكاتب بالتفصيلات التي تصب في مجرى القصة، تلك تفصيلات وجدانية في الحب الإنساني، وفي التأملات السياسية التي تبرهن على خطورة ما يجري، فيتوِّج بذلك قصته الصغيرة الحجم، الكبيرة بأحداثها، بنسمات منعشة من التأملات الأدبية التي أراد منها الإطلالة على الأوضاع السياسية بأسلوب أدبي راق.