يمثل هذا الكتاب معبراً جديداً إلى اكتشاف مئات الأسرار والتفاصيل والمقاصد، التي تكتنز بها "الرواية في القرن العشرين" حيث تنطوى فصوله-التي تعتمد عناوين تصنيفية رئيسة-على مسح نقدي دقيق، لتاريخ روائي طويل، في فضاءات روائية واسعة، دون استبعاد لقمر يبدو محاقاً، أو لنجم يبدو معتماً، على نحو يشي بممارسة نقدية مغايرة، يعتمدها الناقد الفر...
قراءة الكل
يمثل هذا الكتاب معبراً جديداً إلى اكتشاف مئات الأسرار والتفاصيل والمقاصد، التي تكتنز بها "الرواية في القرن العشرين" حيث تنطوى فصوله-التي تعتمد عناوين تصنيفية رئيسة-على مسح نقدي دقيق، لتاريخ روائي طويل، في فضاءات روائية واسعة، دون استبعاد لقمر يبدو محاقاً، أو لنجم يبدو معتماً، على نحو يشي بممارسة نقدية مغايرة، يعتمدها الناقد الفرنسي جان-إيف تأديبه باقتدار بالغ، معاكساً النمط النقدي الانتقائي، الذي يكرس النماذج المبهرة من الروايات والروائيين، ويغض الطرف عن غيرها/غيرهم، برغم أهميتها/أهميتهم في المشهد الروائي المعاصر. وإن كانت الرواية الأوروبية أكثر حضوراً في هذا الكتاب، فمرجع ذلك إلى أن الرواية في بلاد الشمال قبل زهاء عشرة عقود مضت، كانت تختط لنفسها أفقاً مجاوزاً لإطارها الروائي التأسيسي، في القرن السابع عشر (بينما كانت الثقافة العربية لا تزال تعيش صدمتها الحضارية، مستقبلة القرن العشرين بنصوصها الروائية الجنينية الأولى) لتصير الرواية فن القرن العشرين بامتياز، محدثة عن أخبارها معلنة-عن كثب- عصرها وزمنها ورؤاها، كاشفة عن تحولاتها النوعية، والتي يرصدها صاحب الكتاب بتميز فائق محدداً انطلاقاتها المتعددة، وبناها التعددية، وتراوحاتها البينية، فمن رواية الريف، إلى رواية المدينة الحديثة، وبينهما تتراوح رواية المدينة المتخيلة، ومن رواية الذات الكلاسيكية والبطل التقليدي، إلى رواية تعدد الأصوات، وبينهما تتراوح روايات الذات الحديثة، والشخصية اللاشخصانية، والعائلة والجماعة، والأجيال، والمدن، والأحداث... الخ. كما يعاين تأدييه العناصر الكبرى التي تتمارس، أو تتقاطع، مع رواية القرن العشرين (التشكيل، المسرح، الموسيقى، الشعر، الفكر، الفلسفة، علم النفس، الأسطورة، السينما، الأحداث الاجتماعية والسياسية والعسكرية... الخ). وقد أصاب مترجم الكتاب د. محمد خير البقاعي، الأهداف التي تغياها، حيث أتت الترجمة واضحة المصطلح، بينة المعني، تكتسي ثوباً عربياً، يجعل الفائدة منها قريبة، خاصة أن الثقافة العربية تستقبل القرن الواحد والعشرين. الذي بدأ بالفعل، إن لم يبدأ بالقوة-وهي تمتلك ركاماً روائياً هائلاً، وخبرة روائية غنية، يمكنها من حضور روائي مائز، شرط أن يعتمد المثاقفة لا التبعية، المغايرة لا التنميط التفتيش الجاد لا الاستهلاك المجاني، منطق المواجهة الجسور لا منطلق الإذعان الخاضع، وبرغم أننا لا نزال نطرح أسئلة خطاب قديم بصدمة جديدة، لكننا لا نفتأ نعقد الرهان على أنفسنا مجدداً، بتفاؤل حميم.