إذا كان الملمحُ المميِّز للفَرْق بين الشِّعر واللا-شِعر هو التصويريةَ figuralité المحدَّدةَ في اللحظة الأولى، في الجزء التمهيديِّ لهذا التحليل، باعتبارها نسقاً من الانزياحات، فإن سؤالاً متعلِّقاً بوظيفة هذا السَّلْب التصويريِّ يظل قائماً. يتعلّق الأمر هنا بالمعنى وحده. لقد كان الشِّعْر واضحاً في العهود الكلاسيكية. واعْترَاهُ الغ...
قراءة الكل
إذا كان الملمحُ المميِّز للفَرْق بين الشِّعر واللا-شِعر هو التصويريةَ figuralité المحدَّدةَ في اللحظة الأولى، في الجزء التمهيديِّ لهذا التحليل، باعتبارها نسقاً من الانزياحات، فإن سؤالاً متعلِّقاً بوظيفة هذا السَّلْب التصويريِّ يظل قائماً. يتعلّق الأمر هنا بالمعنى وحده. لقد كان الشِّعْر واضحاً في العهود الكلاسيكية. واعْترَاهُ الغموض مع الرومانسية، وغدا اليومَ مستغلقاً. إلاّ أن الشِّعر لا يكون كذلك إلاّ حينما نلتمس فيه خاصّيّة الوضوح من النَّمط المفهوميِّ noétique، تلك الخاصّيّة التي هي وحدها المُسلَّم بها في الثقافة الغربية. والحال أنّه من العملية التصويرية ينبثق معنى متغّيرٌ متسامٍ عن نظام المفهوم. يُدعى هنا هذا المعنى المتغيّر: وجدانيّاً.ينبغي أن نُلقي الضوء هنا على آليّات التحويل. إن مبدأً التعارض، أساسَ اللسانيات البنيوية، هو الذي يُوضع هنا موضع سؤال. هناك نمطان من الكلام يتقاسمان مجال الخطاب، وذلك تبعاً لتحمّلهما، أو عدم تحمّلهما، بنيةَ التَّعارض داخل هذا الخطاب. الأول هو النّثر، والثاني هو الشِّعر. وبتحرير الكلمات من سلبها المتأصل فإن الشِّعر يعود بها إلى إشراقها الأصلي.هنا يتواجه منطقان. إن منطقَ الخلاف، دعامةَ الكلام النثري ووعيَ العالم الذي يُعبّر عنه، يتعارضُ مع منطق التطابق الذي يتحكّم في نَمَط آخر من الوعي، ذلك المنطق نفسه الذي يدركه الليل في أحلامه، وتدركه القصيدةُ في كلماتها.