عادت دولة نيجيريا إلي (الحكم الديمقراطي) في نهاية شهر مايو عام 999ا م وسط ترحيبا حار ومن الدول الغربية، وأصبحت تلك هي تجربتها الثالثة للحكم المدني منذ استقلالها عام 1960 م. ولم يمض أكثر من خمسة أشهر من إجراء الانتخابات وتسلم الحكومات المنتخبة لزمام الحكم في البلد حتى أعلن حاكم ولاية (زمفرا) الواقعة في شمال غرب نيجيريا عن عزم...
قراءة الكل
عادت دولة نيجيريا إلي (الحكم الديمقراطي) في نهاية شهر مايو عام 999ا م وسط ترحيبا حار ومن الدول الغربية، وأصبحت تلك هي تجربتها الثالثة للحكم المدني منذ استقلالها عام 1960 م. ولم يمض أكثر من خمسة أشهر من إجراء الانتخابات وتسلم الحكومات المنتخبة لزمام الحكم في البلد حتى أعلن حاكم ولاية (زمفرا) الواقعة في شمال غرب نيجيريا عن عزمه على تطبيق (الشريعة الإسلامية) في ولايته، وتجمع المسلمون بمناسبة ذلك في تجمع لم ير مثله في تاريخ نيجيريا الحديث، وقدر الحضور بأكثر من مليوني شخص من كافة أنحاء نيجيريا والدول المجاورة، الآلاف منهم تجشموا قطع مسافات عشرات الأميال على الأقدام لحضور تلك المناسبة وتسجيل تأييدهم لها وتضامنهم مع ولاية (زمفرا) وحاكمها، ولم تشهد دولة نيجيريا في تاريخها منذ نشأتها عام 1914 م حادثًا عبر فيه شعب من شعوبها عن اختيارهم في رسم مصيرهم وتثبيت هويتهم مثل هذا. وقد تسبب هذا في اعتناق بقية (الولايات الشمالية) ذات الأغلبية المسلمة لقضية التطبيق، بعضها اختيارًا من حكامها لما شاهدوه بأعينهم من المسلمين الذين يمثلون جمهور ناخبيهم، وبعضهم خضعانًا من الحكام لمطالب الناخبين، فأصبح عدد الولايات التي تبنت قضية تطبيق الشريعة الإسلامية 12 ولاية كلها في شمال نيجيريا، وكذلك تحرك المسلمون في (جنوب غرب نيجيريا) يطالبون حكوماتهم بإنشاء محاكم شرعية تحكم فيهم بالشريعة الإسلامية. وقد أوقعت هذه القضية المسلمين في نيجيريا في وسط أوضاع مليئة بالتحديات والمخاوف، فإنه مما لا يخفى على كل مراقب للمسرح النيجيري أن الجماهير من المسلمين في نيجيريا قد أثبتوا بتأييدهم لقضية التطبيق أن ولاءهم المطلق للإسلام، وما أجمعوا على شيء مثل إجماعهم على المطالبة بتطبيق (الشريعة الإسلامية)، وما ذلك إلا من أجل أملهم في أن (الشريعة الإسلامية) هي التي تضمن لهم الكرامة في هذه الحياة، وتحقق لهم الأمن والاستقرار، وتقضي على الفساد الذي طالما ذاق مرارة نتاجه جميع فئات المجتمع، كما يأملون أن الإسلام سينتشر ويقوى بتطبيق الشريعة، وأنه هو الحل الذي يخرجهم من الحضيض الذي تردوا فيه بسبب ابتعادهم منه من أيام الاستعمار إلى يومهم هذا. فهل لدى الحكومات التي تبنت قضية التطبيق وعلماء المسلمين والمؤسسات العلمية والدعوية التي تخدم وتدعم قضية التطبيق الرؤية والعزيمة والقدرة المطلوبة لتحقيق المقاصد العالية من تطبيق الشريعة الإسلامية، فتتحقق من ثم طموحات عامة المسلمين الذين أبدوا استعدادهم لتقديم كل التضحيات من أجل نجاح هذه العملية؟ وهل لدى تلك الجهات المذكورة الاستعداد المطلوب لمواجهة الاستعمار القديم والجديد وأذنابه من الشخصيات والمؤسسات العلمانية الذين قد بذلوا جهودًا جبارة ومضنية - ولا زالوا - في احتواء الشريعة الإسلامية في نيجيريا، ومن ثم ترويضها وفي النهاية القضاء عليها؟ وهاهم قد فوجئوا بعودة الشريعة وقيمها بعد يقينهم بأن (العلمنة) التي أسسوها، وشيدوا بناءها ستظل كفيلة بالإجهاز على الشريعة. فهذان الأمران من أهم ما يواجه قضية التطبيق من تحديات.وأما المخاوف فأعظمها مخافة الإخفاق في هذه القضية، فضريبة الإخفاق لا شك أنها ستكون عظيمة، وستظل الأمة الإسلامية في نيجيريا تدفع الثمن لفترة زمانية طويلة -لا قدر الله.وقبل الحديث عن مستقبل تطبيق الشريعة في نيجيريا في إطار ما أشرنا إليه من التحديات والمخاوف لا بد من الحديث حول حقيقة التطبيق، مع التمهيد له بذكر الخلفية التاريخية للقضية.