انقسمت البشريّة ـ منذ زمن أبينا آدم (ع) ـ إلى جبهتين: جبهة الحقِّ التي تدعو إلى إرساء مبدأ التوحيد وحاكميته في الأرض، وإخراج الناس من ظلمات الجاهليّة إلى أنوار الحكم الإلهي، وجبهة الباطل التي تسعى إلى إبقاء الناس في أنفاق الجهل حفاظاً على أطماعها ومصالحها، التي لا تتلاءم مع دعوات الحقِّ التي تنادي بها الجبهة المقابلة.واتخذت الجا...
قراءة الكل
انقسمت البشريّة ـ منذ زمن أبينا آدم (ع) ـ إلى جبهتين: جبهة الحقِّ التي تدعو إلى إرساء مبدأ التوحيد وحاكميته في الأرض، وإخراج الناس من ظلمات الجاهليّة إلى أنوار الحكم الإلهي، وجبهة الباطل التي تسعى إلى إبقاء الناس في أنفاق الجهل حفاظاً على أطماعها ومصالحها، التي لا تتلاءم مع دعوات الحقِّ التي تنادي بها الجبهة المقابلة.واتخذت الجاهليّة المتمثلة بجبهة الباطل ردود فعلٍ مختلفة لمحاربة الحقِّ وأهله، من خلال إثارة الفتن في مسيرة الدعوة إلى الله، وإكراه الناس على الكفر والجحود، وإضلالهم، وصدّهم عن الالتحاق بموكب التوحيد، والعمل على إضعاف شوكة المؤمنين، وكلِّ ما له دخل في مشروع خلافة الله تعالى في الأرض، فلم تكن لجبهة الحقِّ إلاّ التوسل بالجهاد لغرض الدفاع عن نفسها ومبادئها ضد قوى الباطل الفتّاكة.ومع بزوغ شمس الدعوة المحمّديّة، وانتشار نور الإسلام على الأرض، هبّت قوى الظلام والضلال لخنق صوت الحقِّ ومحاربته بكلِّ ما أوتيَت من جهد، فجاء الموقف الإسلامي بالجهاد لمواجهة ردّ الفعل الجاهلي، حيث شهد التاريخ للجهاد حضوره الفاعل والمتميّز في المنظومة العقائديّة الإسلاميّة وفي الحياة السياسيّة والاجتماعيّة والحضاريّة للإسلام، فهو كالنبع الصافي الذي يغذّي الإسلام بماء الحياة لمواجهة المنعطفات الحرجة والخطيرة التي تهدد أصل وجوده، فهو تشريع حركي يتناسب مع الظروف المحيطة به، وليس من قبيل التشريعات الثابتة في الأداء والممارسة.والكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ، يتناول أحد أقسام الجهاد وهو المصطلح عليه بـ(الجهاد الدفاعي)، والذي هو عبارة عن دفاع المسلمين لعدوٍّ يُخشى منه على بيضة الإسلام والمجتمع الإسلامي، وذلك ببذل النفس والمال وأيِّ وسيلةٍ متاحة تساهم في هذا الغرض،حيث يبحث الكاتب فيه عن الأحكام الشرعيّة المختصّة بهذا القسم من الجهاد وفق مذهب أهل البيت (ع)، فيبيّن أوّلاً تعريفه وفرقه عن الجهاد الابتدائي، ثمّ يكشف الالتباسات التي أُثيرت حوله من قبل أعداء الإسلام من خلال اعتباره من الإرهاب المذموم، محاولةً منهم للنيل من هذا الحصن الشامخ الواقي للدين الإسلامي، مبيّناً بعدها الأدلّة على وجوب هذا النوع من الجهاد من خلال الآيات القرآنيّة والسنّة الشريفة والإجماع والعقل، ثمّ يذكر أقسام الجهاد الدفاعي وأساليبه، وأخيراً الدور الكبير الذي يقوم به الفقيه في الجهاد الدفاعي.وبحث الجهاد الدفاعي من البُحوث المهمّة في فقه الشيعة الإماميّة، فالجهاد من فُروع الدين، ومن أهمّها، وكما عبّر عنه الإمام الصادق (ع) بأنّه ذروة سنامه.وموضوع بهذه الأهمّية لابُدّ وأن تتجلّى معالمه، وتتّضح أحكامه وأقسامه، وحيث إنّ الجهاد الدفاعي لا يقتصر على دفاع الكُفّار، أي أنّه قد يتعدّى إلى قتال من يَتشهّد الشهادتين كما جاء بيانه في الكتاب؛ لذا لابُدّ من بيان أحكامه، وأقسامه، وفرقه عن غيره من القتال، من هُنا تتّضح أهمّية هذا البحث، وما هو الداعي لاختيار هذا الموضوع، ولا سيّما في عصرنا هذا الذي بات فيه العدو مُسيطراً على الكثير من البُلدان الإسلاميّة، بشتّى ألوان التسلّط والاحتلال، إمّا بالاحتلال المُباشر، أو من خلال نصب القواعد العسكريّة الضخمة، أو من خلال تعيين حاكم عميل مُنفّذ للسياسة الغربيّة الظالمة، أو من خلال الغزو الثقافي، أو الاقتصادي، وما شاكل ذلك.وتناول الكتاب نقاطاً عديدة، أهمّها ما يلي:1- بيان تعريف واضح للجهاد الدفاعي، وفرزه عن غيره من أنواع الجهاد.2- بيان أهمّ أحكامه بشكلٍ مُبسّط وواضح.3- التفريق بين الجهاد والإرهاب، وبيان المُلابسات الحاصلة بينهما عَفويّاً أو عمداً من بعض الغربيّين، ومِن أعداء الإسلام.4- بيان أقسام الجهاد الدفاعي من حيثيات وجهات مُتعدّدة، وتبعاً لذلك توضيح أحكام كُلٍّ منها بما أمكن، بحيث لا يخلّ في الرسالة كمّاً وكيفاً.5- إبراز دور الفقهاء في الجهاد الدفاعي، وما لهم من فضل على الواقع العَملي والنَظري له.