عندما نقبل على دراسة نص لهشام شرابي دون غيره فإن ذلك في الحقيقة ليس من محض الصدفة وإنما هو اختيار واع له مبرراته.ومن جملة أسباب هذا الاختيار ما شدنا في حياة الرجل من تجارب علمية وسياسية واجتماعية وذاتية، فهو مثقف فلسطيني ولد بيافا سنة 1927، وقد قضى فترة شبابه في التنقل بين مدن فلسطين، ثم قضى معظم حياته في الولايات المتحدة الأمير...
قراءة الكل
عندما نقبل على دراسة نص لهشام شرابي دون غيره فإن ذلك في الحقيقة ليس من محض الصدفة وإنما هو اختيار واع له مبرراته.ومن جملة أسباب هذا الاختيار ما شدنا في حياة الرجل من تجارب علمية وسياسية واجتماعية وذاتية، فهو مثقف فلسطيني ولد بيافا سنة 1927، وقد قضى فترة شبابه في التنقل بين مدن فلسطين، ثم قضى معظم حياته في الولايات المتحدة الأميركية باعتبارها طالباً في جامعة شيكاغو في مرحلة أولى، ثم باعتباره أستاذ تاريخ في جامعة جورج تاون في مرحلة ثانية، فهو من مثقفي المهجر الذين لم ينقطعوا عن مشاغل مجتمعهم وإنما كانوا في سعي دائم إلى الاشتراك من خارج الحدود في إفادة وطنهم والمساهمة في نهوضه.إننا لا نقصد في هذا البحث إعادة دراسة حياة هشام شرابي وفكره وإنما دفعتنا الرغبة إلى إبراز بعض أفكاره الجوهرية التي شكلت أسس مواقفه الفكرية والحضارية تجاه الغرب، وهذا منا تطلب مما اعتماد منهج استقرائي تحليلي يعتمد أساسً متن المدونة الذي حاولنا إمعان النظر فيه تفكيكاً وتركيباً من أجل الإلمام الكافي بمشاغل المؤلف والعمل على تحليلها تحليلاً نقدياً لإدراك الخيط الذي تتمحور حوله أفكار شرابي ومواقفه، وتجليه الجانب ومواقفه منه بصورة موضوعية تسعى إلى الفهم ومن ثم إلى النقد، وكانت عملية النقد غير منفصلة عن التحليل وإنما ملازمة له منبثة فيه ولم نفرد لها حيزاً خاصاً قصد تجنب جفاف العمل الوصفي أو الوقوع في التكرار، مع الحرص على اتباع جانب الموضوعية والحياد في النقد حتى نتجنب الإسقاط والمغالاة.وقد ارتأينا تقسيم العمل إلى ثلاثة أبواب كبرى: اهتممنا في الأول بعرض وجيز لصورة الغرب كما وردت في المدونة العربية السابقة لفكر هشام شرابي، وأوردنا هذا الباب قصد تمكين القارئ من إجراء مقارنة بين صورة الغرب كما ترددت لدى المفكرين العرب ونظيرتها عند هشام شرابي.أما الباب الثاني فقد مثل جوهر العمل، وحاولنا فيه رصد صورة الغرب كما وردت في مدونة شرابي وأهم التحولات التي شملت فكره ومواقفه من الآخر الغربي وهي تحولات ارتبطت بتطور سيرته الذاتية. وجاء الباب الثالث في شكل حوصلة لمرجعيات الباحث التي يمكن من خلالها تفسير بعض مواقفه الفكرية ورؤاه النقدية تجاه الأنا العربي والآخر الغربي.وإعداد هذا البحث اعتمدنا ثلاثة كتب من مؤلفات هشان شرابي دون إغفال باقي النصوص وتكونت المدونة أساسً من كتاب الجمر والرماد: ذكريات مثقف عربي. وكتاب المتثقفون العرب والغرب عصر النهضة 19750-1914، وأخيراً كتاب البنية "البطركية: بحث في المجتمع العربي المعاصر.أما باقي مؤلفات هشام شرابي فإننا لم نقصها من بحثنا وإنما اعتمدناها باعتبارها مصادر مساعدة لما تبرزه لنا من جوانب نستطيع من خلالها تبين مواقف المؤلف من الغرب وتحديد الصورة التي رسمها له.