"أرق الشوارد" كتاب في القراءة التي تتمثل روحاً نزاعاً إلى رؤية متميزة في الفكر واللغة، وهو بهذا يجسد شخصية كاتبته الأستاذة "هدى أبو غنيمة"، التي تمتلك رؤاها وأفكارها ومنهجها ولغتها الخاصة بها الدالة عليها، وهي في هذا تجاوز صورة الكتابة النمطية، التي تغلب على كثير مما يؤلف في حقوق المعرفة المختلفة.ويمكن لوقفة متأملة عند العنوان "...
قراءة الكل
"أرق الشوارد" كتاب في القراءة التي تتمثل روحاً نزاعاً إلى رؤية متميزة في الفكر واللغة، وهو بهذا يجسد شخصية كاتبته الأستاذة "هدى أبو غنيمة"، التي تمتلك رؤاها وأفكارها ومنهجها ولغتها الخاصة بها الدالة عليها، وهي في هذا تجاوز صورة الكتابة النمطية، التي تغلب على كثير مما يؤلف في حقوق المعرفة المختلفة.ويمكن لوقفة متأملة عند العنوان "أرق الشوارد" أن تؤشر على الأفق الذي تنطلق منه الكاتبة، والأفق الذي تسعى إليه، فبناء العنوان القائم على إضافة الأرق إلى الشوارد، بكل ما تحمله كلمة الأرق من دلالات: القلق الخلاق، والتفكر، والصبر، وإنتظار اللحظة المواتية لإصطياد شاردة من الشوارد، تلك التي تتمثل في حالة، أو فكرة، او صورة، أو رؤية إستثنائية لا يقع المرء على مثلها إلا بالتعب والأرق والتفكر الصبور.وفي هذا الكتاب سعي حميد لإصطياد الشوارد، وللتعبير عن رؤى وأفكار تعرب عن نزوع الكاتبة إلى الجدة التي تنبثق من حوار حيوي واعٍ مع الذات والآخر، حوار يكشف عن توق للمعرفة والكشف والتأمل، ولعل العبارة الأولى في القراءة الأولى المعنونة "الحوار مع الذات بين الذاكرة المتوقدة والحلم المنطفئ" التي تقول: "قد يكون الوصول إلى الفضاء أسهل من الوصول إلى أعماق الذات الإنسانية، وقد يكون الحوار مع الآخرين أيسر منالاً من الحوار مع الذات" - تكشف عن هذا السعي، وتظهر معنى التوق للمعرفة والتأمل.كما يقف قارئ هذا الكتاب على مواقف فكرية وثقافية وسياسية مُعبَّرٍ عنها بجلاء وبلغة رصينة واضحة، وهو ما يطالعه مثلاً في حديث الكاتبة عن الإحتماء العربي بالماضي، وإستحضار صور الأمجاد والإنتصارات التي تحفظها صفحات التاريخ، وتجاوز محاورة الواقع الراهن المهيمن.وتعود الكاتبة لمناقشة هذه القضية المهمة في الدراسة الثانية المعنونة "أفق النظر العربي إلى الغرب، الزاوية الحادة" من خلال رؤية واسعة لطبيعة العلاقة بين العرب والغرب من جانب، ولرؤية العرب أنفسهم والآخرين من جانب آخر، وهي تقدم هذا كله في إطار رؤية تستند إلى الأبعاد التاريخية لهذه العلاقة، والصورة الراهنة لها.وفي مجموعة أخرى من الدراسات التي يضمها هذا الكتاب، تقرأ الأستاذة أبو غنيمة نصوصاً إبداعية: شعرية ونثرية، قراءات نقدية من زوايا متعددة، فهي تقف عند "ملامح التجربة الإنسانية في شعر الجوهري"، و"اللغة الشعرية في شعر بدوي الجبل"، و"تمرد النص على الشكل، شرفة الهذيان لإبراهيم نصر الله" و"أبناء القلعة وسلطة الواقع"، و"في ضوء سارق النار، رؤية لتحرير بروميثيوس من قيوده"... إلخ، وهي في كل هذه القراءات تقدم رؤى وأفكاراً نقدية لا تقع في التمطي المكرور، وتنطلق في موقفها ورؤيتها للنص الذي تعالجه من زاوية نقدية تحددها، مما يتيح له أن تضيئها وفق نسق منهجي يستدعيه النص.إن القراءات التي يضمها كتاب (هدى أبو غنيمة) تمثل نموذجاً لقراءات لها رؤيتها، ومنهجها، ولغتها التي تمنحها طابعاً مميزاً، وتضعها في سياق الأعمال المفيدة التي يخلص أصحابها لفكرهم، وعملهم، ويسهمون في خدمة المعرفة والإضافة إليها.