يسيطر على المؤلف هاجس مفاده أن الإنسان هو على ظهر مركبة فضائية، وهي مركبة ليست من صنع البشر، والرحلة طويلة جداً بالنسبة إلى عمر الفرد البشري، والبشر يتناوبون على ظهر السفينة من جيل إلى جيل، استلام الأمور من الجيل السابق وتسليمها إلى الجيل اللاحق، والقيادة ليست بيد الإنسان بل هي آلية مدمجة في برنامج الرحلة. أين بدأت الرحلة؟ وما ا...
قراءة الكل
يسيطر على المؤلف هاجس مفاده أن الإنسان هو على ظهر مركبة فضائية، وهي مركبة ليست من صنع البشر، والرحلة طويلة جداً بالنسبة إلى عمر الفرد البشري، والبشر يتناوبون على ظهر السفينة من جيل إلى جيل، استلام الأمور من الجيل السابق وتسليمها إلى الجيل اللاحق، والقيادة ليست بيد الإنسان بل هي آلية مدمجة في برنامج الرحلة. أين بدأت الرحلة؟ وما الهدف منها؟ وإلى أين المسير؟ السفينة موجودة ونحن على ظهرها في السفر الكبير، إلى أين نسير؟ هذه هي الأسئلة التي ما فتئ يطرحها راكب السفينة العظمى.من وحي هذا الخضم الفلسفي والمعطيات الناتجة عن تأملات في هذا الكون الشاسع الذي يظهر فيه الإنسان في رحلة بحث مستمرة ظهر للمؤلف بعد الانتباه إلى السفينة العظمى أن الإنسان في رحلة كبرى منطلقاً في فضاءات خيالية حول الإنسان في هذا الوجود متذكراً كتاب لورين أيسلي، الذي يحكي فيه قصة الارتقاء والنشوء، وظهور الحياة بأبسط صورها على وجه الأرض، ثم تعقدها وخروجها من البحار إلى اليابسة، ووصولها إلى طور الثدييات فالإنسان الناطق العارف، معلناً بأن ما يراه العلماء حقيقة مطلقة هي بالنسبة له حكاية ممتعة بجانب حكاية الخلق الدينية، وليست تتفوق عليها بأي شيء مهما وصفت بأنها علمية، موضحاً بأنه وبقدر ما أعجب ما جاء عند الشيخ عبد الصبور، حول المعنى القرآني لكلمة "بشر"، إلى أنه لا يتفق مع ما جاء في كتابه "آدم أبو البشر"، مؤكداً، بعد ذلك كله، بأنه ليس هناك من سبيل إلى برهان عقلي مطلق لأي حقيقة في هذا الوجود، وتشهد على ذلك رباعيات عمر الخيام، ويبقى الاختيار للقلب كما قال الإمام الغزالي.من هذا المنطلق يمضي المؤلف في رحلته الكبرى في كتابه هذا مشيراً إلى أن جميع ما أورده بعد الكشف عن الحقيقة، هو من استنتاجاته الشخصية ومن آرائه الخاصة، ومن أحلام اليقظة التي يتصورها، إنها شطحات خياله، وموسيقى أوهامه، ولوحات ألوانه، هي أحلامه الذهبية التي لم يَرْوِها لأحد، فهي لا تلزم أحداً؛ فلا هي برهان من براهين حقيقة، ولا هي نتيجة علم تجريبي، ولا علمٍ نقلي ديني، ولا هي، بأي حال من الأحوال، تأويل لنص، ولا حتى تأويل رشدي. وهو، وإن كان قد أورد نصوصاً دينية، فإن إيراده لها ليس من باب الاستشهاد، ولا من باب التأثير على عاطفة القارئ، بل هي فقط من أساليب القول في خطبة أو قصيدة أو مقال علمي منطقي. فهي موجهة لعقل متيقظ يعرف حدوده، ولعاطفة مرهفة تعرف الوجود والشطح والرجوع. وكل ما يرجوه المؤلف هو عدم اعتبار مسّه بالنصوص محاولة نقدية، أدبية كانت أم فلسفية أم دينية، وإنما هو يتناولها لما توحي به من إشارات بعيدة تذهب في نفس الطريق التي ظهرت له في لحظة صفاء.