الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد : فإن نقد المتن من الدراسات الحديثية المتخصصة، فلا غرو إذا رأينا أعداء الإسلام من المستشرقين، وتلامذتهم يجهلونها، ويزعمون أن المحدثين قد ركزوا جلّ اهتمامهم على نقد السند، ومعرفة الرجال، دون الاهتمام بالمتن من حيث الشذوذ، والعلة، والنكا...
قراءة الكل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد : فإن نقد المتن من الدراسات الحديثية المتخصصة، فلا غرو إذا رأينا أعداء الإسلام من المستشرقين، وتلامذتهم يجهلونها، ويزعمون أن المحدثين قد ركزوا جلّ اهتمامهم على نقد السند، ومعرفة الرجال، دون الاهتمام بالمتن من حيث الشذوذ، والعلة، والنكارة.من أجل ذلك كان لا بد من بيان مدى صحة هذا الزعم أو بطلانه.وبعد الدراسة المستفيضة لهذا الموضوع تبين لي أن المحدثين قد عنوا بنقد المتن عنايتهم بالسند، بل إن نقد المتن كان أسبق من نقد السند، فقد بدأ منذ عهد الصحابة -رضوان الله عليهم - وقبل أن يكون هناك تعدد لحلقات السند.ومن الكتب الحديثية التي احتلت مكانة مرموقةً بين كتب السنة: كتاب السنن الكبرى للنسائي نظراً لمكانة مؤلفه العلمية، واحتوائه على ما يزيد على أحد عشر ألف حديثٍ، لكنها لم تطبع كاملةً إلا منذ سنوات قليلة حيث صدرت الطبعة الأولى منها عام ألف وتسعمائة وواحدٍ وتسعين(1)، بتحقيق الدكتور عبد الغفار البنداري، وسيد كسروي حسن، فلم تلق عناية الباحثين المعاصرين كتلك التي لاقتها كتب السنة الأخرى -فيما أعلم- بخاصة في جانب نقد المتن، وهذا الموضوع له أهمية بالغة؛ كون الإمام النسائي من أئمة هذا الفن، وفحوله، وقد اهتم بهذا الجانب. فأحببت أن يكون موضوع هذا الكتاب، بعنوان : (نقد المتن عند الإمام النسائي في السنن الكبرى )والبحث في هذا الموضوع لا يخلو من الصعوبة؛ بسبب ندرة الكتابة فيه، مما يتطلب من الباحث سعة الاطلاع، وتوافر الملكة النقدية الحديثية.مشكلة الدراسة وأهميتها:يزعم بعض المستشرقين، كجولد زيهر، ووليم موير، وغاستون ويت، وكايتاني، وشاخت، وتلميذه كولسون، وأتباعهم، كأحمد أمين، ومحمود أبو رية، وإسماعيل أدهم، وغيرهم( ) أن المحدثين اقتصروا في دراسة الحديث النبوي الشريف على جانب السند دون المتن، ووصفوا مناهج المحدثين بالسطحية.وهذه الدراسة التي موضوعها نقد المتن عند النسائي في السنن الكبرى تكمن أهميتها في أنها ستبين مدى صحة هذا الزعم أو بطلانه بالدراسة التطبيقية لكتاب السنن الكبرى، الذي يُعدّ من أمهات كتب السنة، وإبراز مدى اهتمام صاحبه بنقد المتن؛ من خلال الأمثلة التي عني بذكرها بعد سرده للروايات التي تبين مدى اهتمام المحدثين بنقد المتن إلى جانب السند.كما أن سنن النسائي الكبرى لم تلق عناية الباحثين المعاصرين، ولعل هذه الدراسة هي الأولى من نوعها لهذا الكتاب المهم - فيما أعلم - ومن هنا تبرز أهميتها ومدى الحاجة إليها.الدراسات السابقة :اقتصرت الدراسات السابقة على الجانب النظري في بيان جهود المحدثين في نقد المتن بشكل عام، وقد بحثت في الدراسات السابقة عمن تعرض لهذا الموضوع بشكل عام، دون التقيد بكتاب معين، فوجدت بعض الكتابات منها: رسالة دكتوراه، بعنوان: (جهود المحدثين في نقد متن الحديث النبوي الشريف ) للدكتور: محمد طاهر الجوابي، وكتاب للدكتور محمد مصطفى الأعظمي، بعنوان: "منهج النقد عند المحدثين، نشأته وتاريخه"، وكتاب بعنوان: (منهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوي) للدكتور: صلاح الدين الأدلبي، وكتاب بعنوان :(مقاييس نقد متون السنة ) للدكتور: مسفر الدميني، وبحث بعنوان: (نقد المتن بين صناعة المحدثين ومطاعن المستشـرقين ) للدكتور: نجم عبد الرحمن، مقدم إلى الموسم الثقافي للجامعة الإسلامية، بالمدينة المنورة، عام 1409هـ.وهذه الكتابات على أهميتها، لم تُعْنَ بالنسائي خاصةً، وإنما كانت دراسات علمية، تناولت قضايا المتن بشكل عام، في مختلف كتب السنة، وأبرزت أن هناك نقداً حقيقياً للمتن، وأن المحدثين اهتموا بهذا الجانب، وهذه الكتب وغيرها كانت خير معين لي بعد اللّه في جانب الدراسة النظري. .ولم أرَ من المعاصرين من تعرض لنقد المتن عند النسائي، اللهم إلا ما جاء به زميلي: علي أبو الشكر، في رسالته الموسومة بـ :(علل النسائي في السنن الصغرى ) وهذه الرسالة على الرغم من أنها تتعلق بالسنن الصغرى، إلا أنها ركزت في معظمها على جانب السند، ولم تتعرض لجانب المتن، إلا في مبحث واحد .وللدكتور: محمد عبد الرحمن الطوالبة، بحثان، في سنن النسائي الكبرى، أحدهما، بعنوان: (المجهول في سنن النسائي الكبرى) والثاني، بعنوان: (منهج النسائي في الكلام عن الرواة ) وهذان البحثان، عنيا بجانب الإسناد، ولم يتعرضا للمتن مطلقاَ.ومن هنا تبرز أهمية الكتابة في موضوع: نقد المتن عند النسائي في السنن الكبرى، لا سيما وأن بحثي في هذا الموضوع؛ سيكون عبارة عن دراسة تطبيقية تعتمد على استقراء السنن، واستخلاص النتائج، على ضوء ذلك .منهجية البحث:1. تقوم الدراسة على قراءة كتاب السنن الكبرى للإمام النسائي قراءة فاحصة.2. جمع الشواهد والعينات من نصوص الكتاب البالغة (11770)حديثاً.3. فرز الشواهد والأمثلة المتشابهة وتقسيمها إلى مجموعات لتسهيل دراستها فيما بعد.4.تحليل الأمثلة والشواهد التي تنظم في المجموعة الواحدة واختيار العناوين المناسبة لها.5. دراسة الشواهد والأمثلة دراسة تطبيقيه للوصول إلى نتائج علمية مستندة إلى الواقع العلمي.وقد قسمت الدراسة إلى مقدمة وخمسة فصول وخاتمة متضمنة نتائج الدراسة النهائية، وهي كما يلي:- المقدمة: وتتضمن: أهمية الموضوع، وسبب اختياره، وصعوبة البحث فيه، والدراسات السابقة .- الفصل الأول: وفيه ثلاثة مباحث .المبحث الأول : التعريف بالإمام النسائي ومكانته العلمية .المبحث الثاني: التعريف بالسنن الكبرى، والمقارنة بينها وبين السنن الصغرى.المبحث الثالث: منهج الإمام النسائي، وشرطه في السنن الكبرى .- الفصل الثاني: النقد عند المحدثين وعوامل ظهوره.المبحث الأول: نشأة النقد عند المحدثينالمبحث الثاني: عوامل ظهور النقد عند المحدثي.- الفصل الثالث: مختلف الحديث، والناسخ والمنسوخ عند الإمام النسائي .المبحث الأول: مختلف الحديث عند الإمام النَّسائي.المبحث الثاني: الناسخ والمنسوخ عند الإمام النَّسائي. - الفصل الرابع: نقد النسائي لمتون الأحاديث.المبحث الأول: النقد الموجب (الصحة والحسن ونحوهما) .المبحث الثاني: النقد السالب .المطلب الأول: الشاذ. المطلب الثاني: المنكر .المطلـب الثالث: المدرج. المطلب الرابع: المصحّف.المطلب الخامس: المعلّل.- الفصل الخامس: نقد الحديث بالتفرد والتعدد عند الإمام النسائي.المبحث الأول: الغرابة .المبحث الثاني: التفرد .المبحث الثالث: المتابعات والشواهد .الخاتمة: وتتضمن أهم النتائج التي توصلت إليها، والتوصيات.وأرجو أن أكون قد وفقت في طرح هذا الموضوع بما يعود بالفائدة على طلبة العلم، وأسأل اللّه العلي القدير أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، فإن وفقت فبفضل اللّه ونعمته، وإن كانت الأخرى-لا قدر الله- فمن الشيطان، وبسبب تقصيري، وعذري في ذلك أنني بشر، والخطأ من طبيعة البشر، فاستغفر اللّه العظيم وأتوب إليه، وله الحمد في الأولى والآخرة.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين الباحث