تسعى الدراسة إلى تجلية العلاقة بين الدين والأخلاق، والتساؤل عن مدى صحة حصر الأخلاق واختزال الفضيلة في المبادئ الدينية، والتساؤل كذلك عن وجود الأخلاق خارج السياق الديني، وطرح مسألة استقاء الأخلاق من العقل أم من المبادئ الدينية. وتقوم على افتراض أن تهميش موقع الأخلاق الإنسانية في حقلي العقيدة والشريعة، بالصورة التي يقدمها التفكير ...
قراءة الكل
تسعى الدراسة إلى تجلية العلاقة بين الدين والأخلاق، والتساؤل عن مدى صحة حصر الأخلاق واختزال الفضيلة في المبادئ الدينية، والتساؤل كذلك عن وجود الأخلاق خارج السياق الديني، وطرح مسألة استقاء الأخلاق من العقل أم من المبادئ الدينية. وتقوم على افتراض أن تهميش موقع الأخلاق الإنسانية في حقلي العقيدة والشريعة، بالصورة التي يقدمها التفكير الديني السلفي وأصحاب الأيديولوجيات الدينية، من شأنه تسويغ ما هو لا أخلاقي باسم الدين، حين يتحول هذا الدين إلى أيديولوجيا، وحين يتم تأويل النصوص والتعاليم الدينية تأويلاً متشدداً يتصادم مع حاجات الناس ومصالحهم ومكتسباتهم، كما تقدمه تجارب الإسلام السياسي والسلفيات المتشددة في أكثر من بلد عربي أو إسلامي؛ حيث يكاد يَضمُر في هذه التجارب البعد الأخلاقي والإنساني والحضاري في الإسلام. ولهذا تسهم هذه التجارب في تكريس بيئة معيقة للنهوض الحضاري، وتخلق من التناقضات والعداوات أكثر مما تحل.تعرّف الدراسة الأخلاق بأنها مجموعة قيم ناظمة للسلوك الإنساني ضمن إطار من المعايير والقواعد العامة التي تقيِّم السلوك الحسن أو السيئ، وتمنح الخيرية والصلاح معنى يتجاوز الخصوصيات الثقافية والاجتماعية والدينية، وذلك من أجل التوافق على قيم تتسم بالاتساق الذاتي والعمومية والكونية الإنسانية، ويتبناها الناس وفقاً لإرادتهم الحرة وقرارهم المستقل. كما ترتبط هذه الأخلاقية ببلورة اختيارات عامة للناس، تتعلق بالمجال العام والحكم والسياسة والاجتماع والاقتصاد.وفي غياب هذه الأخلاقية، تصبح الطقوس الدينية من غير وظيفة أو معنى حين تُؤدَّى بعيداً عن التجربة الذاتية العاطفية، التي تحيل الطقس إلى فسحة للارتقاء بالروح، وعن الأخلاق؛ إذ من المفترض أن تمنح تلك العبادات والطقوس من يؤدونها طاقة أخلاقية وشحناً إنسانياً يجعلهم يتفوقون على من لم تُتَح لهم الفرصة لتأديتها. وبذلك يصبح التدين الناضج والمفتوح على رحاب الإنسانية والخير والصلاح مشروطاً بدعم الأخلاق والارتقاء بالروح والعاطفة وتنمية الحس الإنساني. وتصبح قيمة أي دين هي في دعوته إلى الخير والصلاح، اللذين يشملان الإنسان؛ أيَّ إنسان. فالطقوس والعبادات التي تؤدي بدافع الطاعة أو الخوف من العقاب لا تؤسس للأخلاق، ولكنها قد تؤسس للتقوى في أفضل الحالات، وقد تؤسس للتعصب في أسوئها، والتعصب قد يدفع إلى أعمال غير أخلاقية.