"كثير منهم فقير وقير، وتلك أوجاع تعاورتهم، تربّدت من لأوائها وجوههم وانعقدت سحابة همّ عليها، وجُدعت من أوارها أنوفهم وذلت مخادعهم، وأوطأتهم بمرارتها الحسك والسعدان، وقد لجّت الفاقة، بفعل الأراذل منهم، في اقتيادهم إلى دروبها، فصار أكثرهم ندماء جدبٍ وطريقٍ، ولعلّها من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان! فها هو مأكلهم قرض، وإملاقهم أنكأ من ...
قراءة الكل
"كثير منهم فقير وقير، وتلك أوجاع تعاورتهم، تربّدت من لأوائها وجوههم وانعقدت سحابة همّ عليها، وجُدعت من أوارها أنوفهم وذلت مخادعهم، وأوطأتهم بمرارتها الحسك والسعدان، وقد لجّت الفاقة، بفعل الأراذل منهم، في اقتيادهم إلى دروبها، فصار أكثرهم ندماء جدبٍ وطريقٍ، ولعلّها من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان! فها هو مأكلهم قرض، وإملاقهم أنكأ من أن يجاءله بضريب..!!لكن، ورغم ذا فإن قلوبهم نقية لا تعرف احتداد اللدد أبداً، وأياديهم، في العطاء، نفنف وواسعة، وكل منهم، في الإقدام، هزبر وعشمشم، يسجّون نيران الفقر مبردين احترارها بأرديتهم، كمالا تزال أجربتهم وأهراؤهم ملأى بيقين قلّ نده، وند عن كثيرين موضعه، وتلك أيام عندهم لا تحتمل النسيئة، ولاينفع، في تهدئتها التسويف.. !!"هذه رواية قارئة متفحّصة للأرياف السودانّية، والمؤلف ابن إحداها، نشأ وترعرع فيها ولم يزّل، وعسى أن يكون هذا المداد لآلامها ناقداً منصفاً، وأيضاً معالجاً..