"لم تستطع إسرائيل أو لم ترد احتلال القرية الكبيرة في سنة 1948، حينما رأت تمسك الناس بأرضهم وتصميمهم على البقاء فيها. فهي تريد الأرض خالية دون سكانها. ولذلك احتلت كل السهول حولها فلم يبق لأهلها سوى الجبال التي تبدأ بالارتفاع منها في اتجاه عزون ونابلس، فسهول قلقيلية هي أخصب الأرض في الساحل الفلسطيني، تقع غربي خط الحدود مع إسرائيل....
قراءة الكل
"لم تستطع إسرائيل أو لم ترد احتلال القرية الكبيرة في سنة 1948، حينما رأت تمسك الناس بأرضهم وتصميمهم على البقاء فيها. فهي تريد الأرض خالية دون سكانها. ولذلك احتلت كل السهول حولها فلم يبق لأهلها سوى الجبال التي تبدأ بالارتفاع منها في اتجاه عزون ونابلس، فسهول قلقيلية هي أخصب الأرض في الساحل الفلسطيني، تقع غربي خط الحدود مع إسرائيل. ولا يزال مالكوها يسكنون على أمتار منها شرقي ذلك الخط لم يصدق أصحاب الأرض أن ذلك نهائي، فبقوا على مدى أكثر من عشرين عاماً لا يلتزمون بالواقع الجديد، إلا تحت فوهة البنادق. فقد كان الجنود الإسرائيليون يطلقون النار كل ليلة على نقطة من الحدود باتجاه رجل جاء يجمع بعض غلال البرتقال أو الليمون من بيارته. وكثيراً ما كان يعود بعضهم بجروح إلى المستشفى الذي كان قبالة البيت الذي أسكنه، لا يفصلنا عنه سوى الشارع. فيخفي الممرضون والأطباء هوية القادم الجديد مخافة محاسبته من قبل قوى الأمن. لم أستطع البقاء خارج هذه المأساة الإنسانية، فكتبت فيها عدداً من القصص القصيرة نشر بعضها في حينه. فقد ساعدتني الكتابة على مشاركة هؤلاء القلقيليين في رحلات عودتهم المليئة بالشوك والرصاص جيئة وذهاباً، ونزولاً في المستشفى وتسجيل حالة التعاطف معهم من قبل الذين لا يستطيعون مشاركتهم الفعلية في رحلات العودة تلك. كانت البطلة دائماً تلك الممرضة السوداء ذات الشفتين المكتنزتين، والعينين اللتين تخترقان الحدود بقوة تفوق في عزمها كل ما أعطى الغرب لإسرائيل من قوة نار. وقد تعرفت على البطلة فيما بعد فروت لي ما كنت قد كتبت شبيهاً له في تلك القصص".في تلك المذكرات شجن وألم وأحداث جرت على الأرض الفلسطينية، حملتها ذاكرة إنسان شاءت له الظروف المقاساة والمعاناة في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية. فكانت تلك المذكرات السيرة الذاتية لأيامه الأولى وحتى سنة التحاقه بوزارة الخارجية، وثم وفي السلك الدبلوماسي، منذ سنة 1962 يروي فالح الطويل صاحب تلك المذكرات الأحداث التي رافقت تنقلاته كدبلوماسي، من بلد إلى بلد متحدثاً خلالها عن مشاركته لأكثر من منتدى دولي بهذه الصفة. وعن خدمته كسفير لبلاده في العراق والاتحاد السوفييتي وباكستان، وبلاد أخرى وأخيراً عن تقاعده عن العمل في سنة 1994.وتجدر الإشارة إلى أن لصاحب تلك السيرة فالح الطويل مؤلف تحت عنوان "اللاجئون الفلسطينيون، قضية تنتظر حلاً 1996"، بالإضافة إلى دراسة علمية سياسية وتاريخية كثيرة قرئت في مؤتمرات وندوات علمية عقدت في المملكة الأردنية الهاشمية. كما كانت له مساهمة منذ سنة 1995 بالكتابة الصحفية في الصحافة اليومية والأسبوعية الأردنية.