"قلت: إذا أنا فهمت أن الأرض فوق، هي أرضكم مثلما هي أرضهم، فإني لا أفهم لماذا المعسكرات والتجاوزات، وليس من جبهة قتال فوق... الناس فوق، يا خيّي، يعرفون أكثر فيما نحن آلمين هنا، معنى العيش معاً، وحركة التعامل الحكيم. فلماذا تفكير هذا النمط من العيش؟ أجابني: نريد أن نصحح كتابة تاريخنا (وشنح بأنفه). قلت لشقيقي: اسمع، صادقتني في السو...
قراءة الكل
"قلت: إذا أنا فهمت أن الأرض فوق، هي أرضكم مثلما هي أرضهم، فإني لا أفهم لماذا المعسكرات والتجاوزات، وليس من جبهة قتال فوق... الناس فوق، يا خيّي، يعرفون أكثر فيما نحن آلمين هنا، معنى العيش معاً، وحركة التعامل الحكيم. فلماذا تفكير هذا النمط من العيش؟ أجابني: نريد أن نصحح كتابة تاريخنا (وشنح بأنفه). قلت لشقيقي: اسمع، صادقتني في السوربون صديقة آتية من راس آلمي لتحصيل الآداب. أخبرتني، في ما أخبرتني، أنها كانت تقضي صيفيات الحرب في ضيعتها، بل قالت: وحتى في الشتاء كنا نلجأ إليها كلما اشتدت الحال في بيروت. وكنا نتنقل على طرقات الجبل، في أي وقت كان، وليس من ينقّزنا بكلمة به!.. وأخبرتني أكثر، أخبرتني أن لأبيها رفاقاً وأصدقاء من مختلف المذاهب، ضمتهم المدرسة معاً، ثم ضمتهم الجامعة، وها هم لازالوا يلتقون رغم التباعد عند هذا أو ذاك، على كأس، على طعام، على سهر،...قاطعني شقيقي: انظري، انظري كيف دار الدولاب دورته، كلها في هذه السنة بالذات. وعرفت من يعني وماذا يعني: شقيقي جيّر لاسمه انتصار غيره... وعدّ نفسه من الكاسبين... خرجت من طوري: يا جاهل، قلت. أنتم على خطأ. وخطأكم لن يكون هذاك الخطأ اليسير، تصلحونه بشبطة قلم أو ممحاة. خطأكم سيرقد على الناس، أعناقاً وأرزاقاً، ويكون ذاك الخطأ الفظيع. إذّاك تندمون، ولات... ولاني في ظهره وراح. وما حسبته راح إلا الى فوق... بعد أيام، جاؤونا بشقيقي محمولاً على الراحات، وملفوفاً بأرزة. قالوا: سقط وبعض رفاقه في مكمن على طريق مسدود، ورشقوا بالرصاص عنان السماء، ورقّصوا التابوت."يستحضر الكاتب أجواء الضيعة اللبنانية بكل ما فيها من حيث عاداتها وتقاليدها من خلال شخصيات يرسمها بدقة. يتخلل ذلك استحضار أجواء الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان والتي حاولت التغيير من ملامحه. يقف الكاتب عند منعطفات إنسانية عدّة ملفتاً النظر الى قذارة تلك الحرب وفظاعتها في تحطيم القيم في داخل الإنسان.