بدأ ظهور الجماعات الإسلامية في المجتمع المسلم منذ عهد الإسلام الأول وفي خلافته الراشدة، واستمرت في الظهور عبر ذلك التاريخ الطويل حتى هذا اليوم بأسماء وأهداف ودوافع وأفكار ومجالات شتى، حتى بات وجود هذه الجماعات في المجتمع المسلم من المسلّمات التي لا يشغل الناس بالهم بالسؤال عن أصلها وأسباب وجودها وجدواها وشرعية هذا الوجود.لقد أصب...
قراءة الكل
بدأ ظهور الجماعات الإسلامية في المجتمع المسلم منذ عهد الإسلام الأول وفي خلافته الراشدة، واستمرت في الظهور عبر ذلك التاريخ الطويل حتى هذا اليوم بأسماء وأهداف ودوافع وأفكار ومجالات شتى، حتى بات وجود هذه الجماعات في المجتمع المسلم من المسلّمات التي لا يشغل الناس بالهم بالسؤال عن أصلها وأسباب وجودها وجدواها وشرعية هذا الوجود.لقد أصبحت الجماعات الإسلامية وكأنها (أصل) في الوجود الإسلامي وليست طارئاً عليه، فأصبح النقد الموجّه إليها من قبل المهمومين بأمر الإسلام منحصراً في كثير من الأحوال على (أشكال) نشاطها وتحقق أفكارها منصرفاً عن منابع هذا النشاط وأصول هذه الأفكار، فصار الاهتمام - مثلاً - بـ (كيف) تحكم الجماعات الإسلامية عوضاً عن (لماذا) تحكم الجماعات الإسلامية. وفي المقابل أصبح النقد الموجّه إليها من أعداء الإسلام يستخدمها تقية يداري بها عداءه للإسلام فيطعن فيه من خلالها، فافتقرت هذه الجماعات للنقد الصادق العميق، الذي لا يحابيها فيمنحها مسلّمات ليست لها، ولا يعاديها وعينه على ما وراءها. وقد وقع نتيجة هذا الافتقار إلى هذا النقد كثير من الأذى على الجماعات الإسلامية والمسلمين على حدٍّ سواء.في كتابه "أصحاب الحق" يقدم الباحث والكاتب علي عبد الرحيم أبو مريم دراسة نقدية للجماعات الإسلامية مستخدماً ثلاثة مداخل من علوم مختلفة، المدخل الأول هو المفاهيم الاقتصادية ويدور في أهمية المنافسة والسوق المفتوح ومنع الاحتكار وتحجيم السوق والتصحيح الذاتي، وعقد مقاربة بين هذه المفاهيم وأعمال الجماعات الإسلامية في المجتمع المسلم من حيث رغبتها في تغيير المجتمعات حسب رؤية أحادية وانعكاس ذلك على حيوية المجتمع وقدرته على تصحيح مساره. أما المدخل الثاني فهو المفاهيم السيكولوجية في تكوّن الجماعات الإنسانية، ويبحث في دوافعها النفسانية وطبيعة العلاقات التي تربط أفراد الجماعة بعضهم ببعض من انتماء وولاء وكيفية تشكل تلك العلاقات، وكيفية تحديد العدو من الصديق والنوازع النفسانية لتقسيم المحيط الإنساني إلى (ذات) و(آخر)، ومناقشة مدى تحقق هذه المفاهيم على واقع الجماعات الإسلامية وأثر ذلك على المجتمع المسلم. ويتمحور المدخل الثالث حول "المفاهيم الفلسفية" في نسبية الأفكار الإنسانية واستحالة إدراك الحق المطلق سواء في المحسوسات أو المعنويات أو غير ذلك من مدركات العقل الإنساني، وفي هذا السياق يناقش الكاتب كيفية استيعاب مفهوم النسبية في إطار الأديان وعلاقة الإيمان بذلك، وأثر هذه النسبية على مرجعية التشريع ومن ثم على فلسفة وأفكار الجماعات الإسلامية ونشاطها في المجتمع المسلم. ويختتم الكاتب دراسته بمناقشة علاقة الجماعات الإسلامية بالحكم: ما دوافعها نحو الحكم؟ وكيف يظهر موضوع الحكم في غايات هذه الجماعات؟ ومدى أهميته في مشروعها من وجهة نظرها، ثم مدى أهميته الفعلية بعد مراجعة أفكار وغايات هذه الجماعات وكل ذلك بناء على النقد (الثلاثي) المتقدم في المداخل السابقة الذكر.