م تحقيقُ ألفاظها، وتصحيحُها وتنقيحُها وشرحُها وشكلُها، وتخريج أحاديثها، والتعليق عليها، وتيسيرُ الاستفادة منها للقارئ بالرجوع إلى بعض مخطوطاتها، على يد الشيخ عبد الكريم محمد مطيع الحمداويالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:فإنِّي أكتُبُ إليكَ بكتابٍ لَمْ آلُكَ فيه رُش...
قراءة الكل
م تحقيقُ ألفاظها، وتصحيحُها وتنقيحُها وشرحُها وشكلُها، وتخريج أحاديثها، والتعليق عليها، وتيسيرُ الاستفادة منها للقارئ بالرجوع إلى بعض مخطوطاتها، على يد الشيخ عبد الكريم محمد مطيع الحمداويالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:فإنِّي أكتُبُ إليكَ بكتابٍ لَمْ آلُكَ فيه رُشْداً، ولم أدَّخِرْ فيه نُصْحا، تحميداً لله وأدباً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتَدَبَّرْهُ بعقلِك وَرَدِّدْ فيه بصرَك وأَرْعِهِ سَمْعَك، ثُمَّ اعْقِلْهُ بقلبِك وأحْضِرْهُ فهمَك، ولا تُغَيِّبَنَّ عنه ذهنَك. فإن فيه الفَضْلَ في الدنيا وحُسْنَ ثوابِ الله تعالى في الآخِرَةِ، واللهَ أسألُ لنا وَلَكَ التوفيقَ.اُذْكُرْ نفسَك في غَمَراتِ الموت وكَرْبِه، وما هو نازلٌ بِكَ منه، وما أنتَ مَوْقوفٌ عليه بعدَ الموتِ مِنَ العَرْضِ على الله سبحانه، ثم الحسابِ ثم الخلودِ بعد الحسابِ، وأَعِدَّ لله عز وجل ما يُسَهِّلُ به عليكَ أهوالَ تلك المَشاهِدِ وكُرَبَها؛ فإنك لو رأيتَ أهلَ سَخَطِ الله تعالى وما صاروا إليه منْ أهوالِ العذابِ وشِدَّةِ نِقْمَتِه عليهم، وسمِعتَ زفيرَهم في النارِ وشَهيقَهم مع كُلوحِ وجوهِهِم وطولِ غمِّهم، وتَقَلُّبِهم في دَرَكاتِها على وجوهِهِم لا يَسْمعون ولا يُبْصِرون، ويَدْعُون بالوَيْلِ والثُّبُورِ، وأعظمُ من ذلك حسرةً وبَلِيَّةً عليهم إعراضُ الله تعالى عنهم، وانقطاعُ رَجائِهم، وإجابتُه إيَّاهُمْ بعد طولِ غَمِّهم ودوامِ حُزْنِهم بقوله: ﴿ قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ﴾، لم يَتعاظَمْ شيءٌ مِنَ الدنيا إلا طَلَبْتَ به النَّجاةَ مِنْ ذلك، وأرَدْتَ به الأمانَ مِنْ أهْوالِهِ، ولو قَدَّمْتَ في طَلَبِ النَّجاةِ مِنْ تلك الشَّدائدِ جميعَ ما مَلَكَ أهلُ الدنيا لكانَ صغيراً حقيراً.ولو رأيتَ أهلَ طاعةِ الله تعالى، وما صاروا إليه مِنْ كَرَمِ الله عز وجل، وشريفِ مَنْزِلتِهم عندَه، مع قُرْبِهم منه عز وجل، ونَضْرةِ وجوهِهِم ونورِ ألوانهم، وسُرورِهم بالنعيمِ المُقيمِ، والنظَرِ إليه سبحانه والمَكانَةِ منه، لتَقَلَّلَ في عينِك عظيمُ ما طَلَبْتَ به صغيرَ ما عندَ الله، ولَصَغُرَ في عينِك جَسيمُ ما طَلبْتَ به صغيرَ ذلك من الآخرة.فاحْذَرْ على نفسِك - يرحمك الله - حَذَراً غير تَغْرير، وبادِرْ بنفسِك قبْلَ أن تُسْبَقَ إليها وما تَخافُ الحَسْرةَ منه عنْدَ نُزولِ الموتِ، وخاصِمْ نفسَك على مَهَل وأنت تَقْدِر بإذن الله عز وجل على جَرِّ المَنْفَعَةِ إليها ودَفْعِ البَلِيَّةِ عنها، قبل أن يَتَولَّى اللهُ حسابَها، ثم لا تَقدِرُ على صَرْفِ المَكْروهِ عنها ولا اكتِسابِ المَنْفَعةِ لها، ولا تجدُ لها حُجَّةً ولا عُذرا، فَتَبُوء بسوءِ كَسْبِها.