"وجلسنا جلستنا الأخيرة في القدس... قبل أن نسافر. على سطح الدار مع الأهل والأقارب والأحباب... نأكل وجبة صغيرة قبل أن نرحل. وكانت الشمس قد بدأت تميل إلى الغروب. ووراء المآذن والقباب في القدس العتيقة. أجراس الكنائس تعانق أصوات المؤذنين لصلاة المغرب... وأطرقت رأسي، في حزن... فقالت: (جميلة)، وهي تضحك: لم أنت مبتئس هكذا؟. قالت لها، وأ...
قراءة الكل
"وجلسنا جلستنا الأخيرة في القدس... قبل أن نسافر. على سطح الدار مع الأهل والأقارب والأحباب... نأكل وجبة صغيرة قبل أن نرحل. وكانت الشمس قد بدأت تميل إلى الغروب. ووراء المآذن والقباب في القدس العتيقة. أجراس الكنائس تعانق أصوات المؤذنين لصلاة المغرب... وأطرقت رأسي، في حزن... فقالت: (جميلة)، وهي تضحك: لم أنت مبتئس هكذا؟. قالت لها، وأنا أطل في عينيها: الرحلة. سنفترق!، نفترق. لا.لا يا صديقي. من قال لك هذا. أنا فلسطينية داماً ولحماً وقلباً... غداً ستأتي إلى مدينتا في وضح النهار، لتزورنا. عندما تعود فلسطين للفلسطينيين وعندنا تتحرر الضفة الغربية وتعود لأصحاب الشرعيين... قلت لها: أخشى أن يمضي العمر، دون أن آتي مرة أخرى!، قالت لي، والبسمة تملأ عينيها: لم أنت متشائم. ألن يطول العراك. إذا سننتصر وسنفرض إرادتنا... إننا نحارب هنا. وأخوة لنا يحاربون في الجنوب اللبناني، وأخوة لنا في سوريا يحمون ظهورنا... إذاً تعود البسمة إلى بيارات البرتقال الحزينة... ويرفرف السلام على أغصان الزيتون... لكن السلام الذي نريده ونبتغيه... فما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة يا صديقي... ولا بد أ، تعي حقيقة هامة... أن فلسطين لا بد أن تقوم على هذه الأرض قوية، شامخة، لأن فلسطين حقيقة، كالشمس، كالنهار... وإسرائيل... هي الليل الذي لا بد أن تخنق عتماته حتى لا يحول دون بزوغ النهار... لم استطع أن أنظر في عيني جميلة طويلاً... ففي عينيها كانت الشمس تطل... كانت الحب يطل... كان الغد يطل... كانت الحقيقة كلها تطل... وليت وجهي شطر عمان، لأعود... يا لها من رحلة قصيرة طويلة! بدت كأنها عمر كامل... رحلة قصيرة، طويلة، حقاً... ربما لأنها كشفت عن شعب عظيم يناضل في وجه النازية الحديثة: الصهيونية. ربما لأنها جعلتني، أحيا المرارة والجرح، في العيون والقلوب، في نفس اللحظة التي تنفست فيها مع أهليها الإرادة، والنضال، والمقاومة...".وهكذا عاد "عبد المنعم صبحي" من القدس إلى مصر حاملاً معه ذكريات وصور ومشاهد من تاريخ القدس ورام الله. وفور عودته خط ما شاهده في فلسطين من معالم المدن.. والجامعات.. والمكتبات.. والشوارع الرئيسية.. والمساجد والكناس فتحدث عن بوابة داود... وعن ليل القدس وما شاهده في الليالي التي قضاها في القدس... وتوقف عند الدعاية الصهيونية وتشويهها لتاريخ فلسطين... كما وسرد تفاصيل المؤتمر الذي عقد في مقر "جمعية الشبان المسيحيين في القدس" والذي نظمه رجال المقامة مع المثقفين في الضفة الغربية وشارك فيه كم من الأدباء وكانت الصفة الرسمية للاجتماع هو "الاحتفال بتأبين "فهمي الحموري"...