نبذة النيل والفرات:الاثنوغرافية هي العلم الذي يبحث في "الثقافات" الخاصة بالجماعات البشرية، ويفهم "بالثقافة" مجمل ما يتلقاه الفرد من مجتمعه: المعتقدات، التقاليد، المعايير الفنية، نحل المعاش وأشكال الحرف والأصناف التي لا تأتي من نشاط الفرد الخلاق بل مما يرثه من الماضي، أي مما يتناقله الناس بسبل ظاهرة معلنة أو باطنة مضمرة.إذن فالعل...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:الاثنوغرافية هي العلم الذي يبحث في "الثقافات" الخاصة بالجماعات البشرية، ويفهم "بالثقافة" مجمل ما يتلقاه الفرد من مجتمعه: المعتقدات، التقاليد، المعايير الفنية، نحل المعاش وأشكال الحرف والأصناف التي لا تأتي من نشاط الفرد الخلاق بل مما يرثه من الماضي، أي مما يتناقله الناس بسبل ظاهرة معلنة أو باطنة مضمرة.إذن فالعلاقة بين الاثنوغرافية ومثيلاتها من العلوم واضحة. فالاثنوغرافية هي هذا الجزء من علم الاناسة Anthropology، بما تعنيه الكلمة بالإنكليزية، وهي تدل على علم الاناسة بكليته، الذي لا يهتم في المقام الأول بالأعراق بوصفها تقسيمات بيولوجية للإنسان المفكرHomo sapiens، ولا ينظر في صلات الأفراد النفسية إلا بقدر ما تعكس الاجتماع أو ما تتأثر به. ومن ناحية أخرى ليس العلم القبتاريخي سوى اثنوغرافية الجماعات المندثرة.وتتقاسم الاثنوغرافية من حين لآخر موضوعها مع الأدب، غير أن موقفها يبقى مختلفاً فبيئة غريبة (مثل تاهيتي) تنطبع بأحاسيس أديب مثل بيار لوتي الذي لا يستطيع من خلال موهبته أن يعبّر للقارىء عن مثل هذه المشاعر. أما ما يفعله الانوغرافي فأقل من ذلك وأكثر في آن. فهو يتلافى الانطباعات الفنية أو يعتبرها معطيات ثانوية، وهو لا ينتقي الأحداث لغرض أدبي، لأن عمله يقضي بوصف الواقع الثقافي بكليته، وكما أن على عالم الطبيعة أن لا يكتفي بالفراشات الجميلة، فعلى الاثنوغرافي أن لا يتجاهل كل ما تحتويه التقاليد الاجتماعية. وهو يلحظ لعبة عكاز الأولاد بنفس الأمانة التي ينقل بها أفكار حكماء تاهايتي حول أصل الكون: الاثنان لا ينفكان عن موضوعه، وقد يكون للعبة الأطفال أن تكشف عن الظواهر الثقافية الأصالية بقدر ما تكشفه تنظيرات أجدادهم الماورائية.ويختلف الاثنوغرافي عن هاوي الاثريات الذي يجمع التقاليد الطريفة باهتمام لا يقل عن اهتمام الطوابعي بطوابعه. يقوم رجل العلم انطلاقاً من الوقائع الخام بالتصنيف والتأويل. كيف أصبحت الثقافات على ما هي عليه؟ لماذا تتميّز شعوب متباعدة بأعراف وأفكار متشابهة؟ لماذا لا تستطيع هذه الجماعة أن تتأقلم مع هذا المناخ؟ ولماذا تتمسك تلك بعادة تخطاها الزمان؟ تلك المسائل التي تعنيه. وبقدر ما يهتم بها الاثنوغراف التالف على الوصف يصبح منظّراً في ميدان الاثنولوجية.في مثل هذه المناخات يأتي هذا البحث الذي يعنى بمتابعة الفكر الاثنولوجي عبر التاريخ. وجاءت المحاور الأساسية ضمن أربعة عشر فصلاً تناولت المواضيع التالية: الرواد، البيولوجيا، ما قبل التاريخ والتطور، أدولف باستيان، القانون المقارن، لويس مورغان، أدولف تايلور، التقدم، فراتز بواس، المدارس التاريخية، الانتشاريون البريطانيون، المدارس التاريخية، الانتشاريون الألمان، علم الاجتماع الفرنسي، الوظائف الصافية والوظائفية الملطفة، جردة وآفاق (الجغرافية، علم النفس، الميتا- اثنوغرافية، الآفاق).