الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله.وبعد:فقد قال الله تعالى عن كتابه الكريم ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ﴾، قال المفسرون أي يشبه بعضه بعضا، بحيث لا يكون فيه اختلاف ولا تضادّ، فيرد فيه الخبر الواحد في مواضع متعددة فيصاغ في كل موضع بصياغة مختلفة، وهذا الأمر يعد من معجزات الأسلوب القرآ...
قراءة الكل
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله.وبعد:فقد قال الله تعالى عن كتابه الكريم ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ﴾، قال المفسرون أي يشبه بعضه بعضا، بحيث لا يكون فيه اختلاف ولا تضادّ، فيرد فيه الخبر الواحد في مواضع متعددة فيصاغ في كل موضع بصياغة مختلفة، وهذا الأمر يعد من معجزات الأسلوب القرآني الذي لا يضاهيه فيه غيره. ولكن ...هذا النسق القرآني الفريد الذي تتكرر فيه الكلمات و التراكيب مع اختلاف طفيف فيها أو اختلاف ما يأتي بعدها يصبح تحديا لكل راغب في حفظ القرآن، و يزيد ذلك التحدي كلما زادت كمية المحفوظ فيحدث الخلط بين الآيات المتشابهة و قد ينتقل من سورة إلى سورة أخرى عند موضع التشابه دون أن يشعر، ومن هنا ظهرت الحاجة لكتب ضبط المتشابه اللفظي، ولقد قمت بدراسة العديد من تلك الكتب فوجدت أنها تنقسم إلى أقسام:• قسم يقوم على جمع الآيات المتشابهة فقط دون أن يعلق عليها، وهذا الجمع وحده قد يفيد بعض الشيء و لكنه ليس كافيا للضبط.•وقسم يقوم على نظم مواضع المتشابهات في أبيات شعرية، و هذا يضيف إلى مهمة حفظ القرآن حفظ القصائد مما يزيد الأمر صعوبة !!•وقسم يعنى بوضع روابط للآيات المتشابهة مع اسم السورة أو ترتيبها في المصحف و هذه الطريقة و إن كانت جيدة في بعض المواضع إلا أنها لا تخلو من تكلف واضح في مواضع أخرى.•والقسم الأخير هو الذي يقوم على ربط المتشابهات بالسياق الذي وردت فيه أي يوجه التشابه و الإختلاف بلاغيا ؛ و هذا القسم برع فيه مجموعة من العلماء المتقدمين أمثال الغرناطي و ابن جماعة وصنفوا فيه كتبا رائعة، لكنها تستخدم لغة صعبة لا يسهل فهمها للكثير من الناس حاليا. كما برع في هذا الفن بعض العلماء المعاصرين كالدكتور فاضل السامرائي، وهذه الطريقة – من وجهة نظري - هي أفضل الطرق لضبط المتشابهات فإن المتأمل في كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إذا قارن مواطن التشابه ببعضها البعض يوقن أن لكل موضع صياغته الخاصة التى تتناسب مع سياق الكلام قبله و بعده وأن الله تعالى قد وضع كل كلمة حيث تتناسب مع ما حولها و تتوافق معه بحيث لا يمكن استبدالها بغيرها. و هذا التناسب يكون على وجهين:1- تناسب معنوي:بمعنى أن الآية تقع بالصيغة التى تناسب المعنى أو الفكرة العامة للسياق فى موضعها، بينما تناسب شبيهتها المعنى في موضعه.مثال: قوله تعالى ﴿ لقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ التوبة 117.و قوله تعالى ﴿ وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾.الآية الأولى تختص بالنبي صلى الله عليه و سلم و الذين اتبعوه في غزوة تبوك.أما الآية الثانية فتختص بالثلاثة الذين تخلفوا عن الجهاد فزاد فيها لفظ ﴿ لِيَتُوبُواْ ﴾ لأن هؤلاء أذنبوا و لم يكونوا ليتوبوا لولا أن تاب الله عليهم، أما الذين اتبعوا النبي صلى الله عليه و سلم فقد ﴿ كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ﴾ لكنهم لم يتخلفوا عن الجهاد و لم يذنبوا فلم يرد فيها لفظ ﴿ لِيَتُوبُواْ ﴾.كذلك ناسب ان تختم الآية الأولى ﴿ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ فذكر رأفته بهم و عدم مؤاخذتهم بما همت به أنفسهم والثانية ﴿ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ فذكر توبته عليهم مما أذنبوا.2- تناسب لفظي:فتكون اللفظة الموجودة في أحد موضعي التشابه أقرب لما حولها من الألفاظ و التراكيب.مثال:قوله في سورة الأعراف ﴿ وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ الأعراف.141.مقابل قوله في سورة البقرة ﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ البقرة.49.وقوله في سورة إبراهيم ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ إبراهيم/6.فتفردت آية سورة الأعراف بلفظ ﴿ يُقَتِّلُونَ ﴾ خلافا لشبيهتيها في سورتي البقرة و إبراهيم.وذلك لتناسب قول فرعون في نفس السورة في آية سابقة ﴿ وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ الأعراف127. وبذلك يتضح لك أن ربط الآيات بسياقها من أفضل الطرق لثبات الحفظ و حسن الأداء فإن الرابط سيكون إما معنويا منطقيا و هذا لا يحتاج الى جهد لتذكره أو يكون رابطا لفظيا يربط موضع التشابه بلفظ يسبقه او يليه و هذا يسهل تذكره جدا. ولكن تبقى المشكلة في هذه المؤلفات العظيمة أنها لم تستوعب الكثير من مواضع المتشابهات بل اقتصرت على البعض منها فقط، وبقيت العديد من مواضع المتشابهات دون توجيه أو ربط بالسياق.وقد قمت في هذا البحث بدراسة الكتب الرائدة في هذا المجال فاستفدت من (ملاك التأويل للغرناطي) و (أسرار التكرار للكرماني) و(درة التنزيل للخطيب الإسكافي) و(كشف المعاني لابن جماعة).والكتب الحديثة أيضا مثل مؤلفات الدكتور فاضل السامرائي و غيرها من كتب جمع الآيات المتشابهة وتوجيهها.وانتقيت من تفسيرات هؤلاء العلماء الأجلاء ما يتماشى مع فكرة الكتاب - و هي التناسب المعنوي و اللفظي - وقد احتجت في بعض المواضع لإعادة صياغتها بعبارات سهلة و مختصرة.والآيات التي لم أجد لها توجيها في تلك المراجع – وهي كثير - اجتهدت في استنباط توجيها لها معتمدة في ذلك على التفاسير الموثوقة.و بقيت بعض المواضع التي تحتاج للمزيد من البحث أو المواضع التي يسهل تذكرها جدا فلم أعلق عليها. وتقوم فكرة إخراج الكتاب على وضع صفحة من الكتاب في مقابل صفحة من المصحف، مع تظليل الجزء المكرر من الآية في صفحة المصحف وذكر المواضع المشابهة لها في الصفحة المقابلة، بحيث يتسنى لقارئ القرآن الوقوف على مواضع التشابه بكل سهولة في أثناء قراءته أو حفظه للقرآن وقد قمت بعمل الآتي:1- في صفحة المصحف: قمت بتظليل الجزء المكرر باللون الرمادي، وظللت باللون الأحمر المواضع الوحيدة أي التي تفردت بصيغة معينة في حين وردت في المواضع الأخرى الشبيهة بصيغة مختلفة.2- وفي الصفحة المقابلة: أوردت مواضع التشابه بترتيب ورودها في القرآن مع تظليل الآية موضع البحث، واستعضت عن الجزء المكرر بالنقط (....) حتى يتسنى للقارئ التركيز على الأجزاء المختلفة.كما قمت بإستخدام اللون الأحمر لتحديد المواضع الوحيدة أيضا، واستعملت الجداول في بعض المواضع التي بها تشابهات متعددة كالقصص و نحوها. وبذلك في أثناء قراءة القرآن ينتبه القاريء لمواضع المتشابهات وبمجرد نظرة في الصفحة المقابلة يعرف مواضع تكرارها و يجد رابطا منطقيا لما قبلها بما بعدها.ومع استمرار استعمال هذا المصحف في الحفظ ترسخ الصورة الذهنية لمواضع المتشابهات و يسهل التمييز بينها دون خطأ إن شاء الله.