هذا الكتاب في الأصل هو رسالة دكتوراه قدمها الباحث لـ (معهد البحوث والدراسات العربية)، المنبثق من جامعة الدول العربية: (البنية الثقافية في كتابات إميل حبيبي). وقد تمت مناقشة الرسالة بمقر المعهد بالقاهرة، لتنال الرسالة درجة الامتياز برتبة الشرف الأول. كما أوصت اللجنة في قرارها، بطباعة الرسالة وتعميمها للتداول في الجامعات العربية ك...
قراءة الكل
هذا الكتاب في الأصل هو رسالة دكتوراه قدمها الباحث لـ (معهد البحوث والدراسات العربية)، المنبثق من جامعة الدول العربية: (البنية الثقافية في كتابات إميل حبيبي). وقد تمت مناقشة الرسالة بمقر المعهد بالقاهرة، لتنال الرسالة درجة الامتياز برتبة الشرف الأول. كما أوصت اللجنة في قرارها، بطباعة الرسالة وتعميمها للتداول في الجامعات العربية كافة. وربما يتبادر إلى الذهن تساؤل؛ لم وقع اختيار الباحث على إميل حبيبي بالذات لتكون أعماله موضع دراسة؟!! ألأن حبيبي كاتب فلسطيني، ومن الطبيعي أن يختار الباحث الفلسطيني كاتباً من وطنه؟ إلا أن صاحب هذه الرسالة يرفض هذا التأويل مرجعاً السبب في بداية الأمر إلى ما أثاره إميل حبيبي من زوبعة، عندما تسلم جائزة الإبداع الإسرائيلية، من يد رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق شافيز في العام 1992 في عز الانتفاضة الأولى، حيث مثلت هذه الحادثة الإرهاصات الأولى لبداية انشغال الباحث بما وراء نص إميل حبيبي الإبداعي، بالإضافة إلى انحيازه له، إذ كان مفتوناً برائعته "المتشائل" إلى الدرجة التي أعمته عن النظر، فيما وراء هذا النص الجمالي من علاقات خارجية، هذه العلاقات التي أخذت حيز البحث لديه فيما بعد خصوصاً مع إصرار إميل حبيبي لمجلته "مشارف"، ومحاوراته المتكاثرة والمستمرة مع الفلسطينيين المشتغلين بالشأن الثقافي، حول ضرورة تطبيع العلاقات الثقافية مع الكتاب والأدباء الصهاينة، ويذكر الباحث بأنه وعلى رغم أن الموقف المعلن لأغلب هؤلاء، كان هو رفض هذا المشروع الحبيبي الجديد، إلا أن عدداً منهم أحب هذه الدعوة، وتساوق معها، وتشيع لصاحبها؛ الأمر الذي كان بداية انزياح المصطلح السياسي (الطرف الآخر) إلى الحقل الثقافي الفلسطيني، بما يحمله هذا المصطلح، من دلالات حولت الاحتلال إلى مجرد وجهة نظر، يمكن الحوار معها، والاجتماع بها، وإنشاء المشاريع الاقتصادية بمشاركتها، ريثما يتم التحرير في وقت لاحق.في هذا الكتاب الوقت؛ وفي هذه الظروف؛ نشأت مجلة "مشارف" بسمت خاص، وتوجيه واضح نحو التطبيع، وصار الجميع يقرأ فيها مقالات لكتاب إسرائيليين وفلسطينيين، جنباً إلى جنب. من هنا بدأت دودة البحث تنخر في عقل الباحث، متسائلاً كثيراً، أمام معارف إميل حبيبي، عن هذا الذي يأخذ جائزتين متعارضتين، في آن واحد، ثم يصالح بينهما. بل هو ذهب بعيداً ليقول بأنه يرى تشابهاً واضحاً، بين متشائل إميل حبيبي (المتعاون مع العدو) وإميل ذاته. ووجد عند الرجل كثيراً مما يقال، لافتاً نظره إلى آراء إميل في (حق تقرير المصير لليهود في فلسطين). إلا أن الصاعقة التي نزلت على الباحث كانت فيما سمعه عن اشتراك إميل حبيبي في جلب السلاح لإسرائيل من أوروبة الشرقية في حرب (1948)، وعرض حينها بأنه بدأ يهتم بإميل: شخصاً ونصاً وسياسياً. وهكذا عاد إلى قراءة إميل حبيبي، مرة أخرى، ومن منظور مختلف، أعاد قراءة "المتشائل" وكل إنتاجاته الأدبية الأخرى، وما تيسر له من إنتاجاته السياسية وبدأ يرى فيها ما لم يكن مستطيعاً رؤيته من قبل، لا على مستوى البنية الثقافية فحسب؛ بل كذلك على مستوى البنية السردية التي بدأ يكتشف أنها بنية واحدة متكررة، وتعيد إنتاج نفسها دائماً، في نصوص إميل حبيبي السياسية منها والإبداعية. وقد شجع الباحث على إعلان ذلك ملاحظته المبكرة بأن صاحب هذه النصوص يكاد لا يكتب، خصوصاً في المجال الإبداعي، إلا عن نفسه. وأما المنهجية البحثية، فقد قرر الباحث أن يكون منهج النقد الثقافي هو منهجه في مبحثه عن إميل حبيبي، متطرقاً إلى المباحث الجمالية كلما وجد إلى سبيلاً؛ لأن النقد الأدبي لا يمكن فصله عن النقد الثقافي لما بينهما من وشائج قربى، ولعل القسمين الأخيرين في هذا البحث، هما اللذان تحملا أعباء المباحث الجمالية أكثر من غيرهما. كل ذلك لرؤية إن كان هذا التوهج الجمالي الإبداعي، في كتابات إميل حبيبي، موافقاً، ومواكباً لتوهج جمالي من نوع آخر، هو الجمال الفلسفي: الذي لا يرى جميلاً إلا ما كان حقاً؟ أم أن هناك ألفافاً مبثوثة في الطريق، تنسف ظاهر الخطاب الجميل، وتؤسس لقبح ثقافي، يتوسل بالأدوات الجمالية، للورود والهيمنة، وإشاعة مفاهيم، ما كان لها أن تنشر، دون هذا الخطاب الجمالي المؤثر. هذا ما تحاول هذه الدراسة تسليط الضوء عليه، من خلال منهج نقد ثقافي يضع في اعتباره وبنفس الدرجة، نقد الواقع، ونقد التمثيلات الرمزية المساة أدباً في كتابات إميل حبيبي.