يختار الشاعر السوري المقيم في العاصمة السويدية ستوكهولم، حنا حيمو، الانحياز لقصيدة النثر بعد مسيرة طويلة مع قصيدة التفعيلة في ديوانه “الهواء ثلثا زجاجتي .. ونديمي البحر” ليشمل ثلاثِة وثلاثين نصاً نثرياً.يمكن القول إن قصائد الديوان تنتمي إلى التأملات الشعرية المكثفة، المتميزة، بمعنى أنها ليست مجموعةً من النصوص الشعرية القائمة على...
قراءة الكل
يختار الشاعر السوري المقيم في العاصمة السويدية ستوكهولم، حنا حيمو، الانحياز لقصيدة النثر بعد مسيرة طويلة مع قصيدة التفعيلة في ديوانه “الهواء ثلثا زجاجتي .. ونديمي البحر” ليشمل ثلاثِة وثلاثين نصاً نثرياً.يمكن القول إن قصائد الديوان تنتمي إلى التأملات الشعرية المكثفة، المتميزة، بمعنى أنها ليست مجموعةً من النصوص الشعرية القائمة على رؤية مغايرة للواقع، بل هي أكثر من ذلك، فهي تحملُ الكثيرَ من الرؤى الفلسفية التي استطاع الشاعر أن ينسجها في بناء القصيدة بطريقته الخاصة ما جعلها مختلفة برؤيتها ولونها وفرادتها، إذ يحضر الرمز التاريخي والفلسفي بقوة في نسيج القصائد، مانحاً إياها جماليةً عاليةً لم تأتِ على حساب شاعرية النص أو انسيابيته، بل إضافة جمالية رغم التكثيف العالي في شكل النص وتكنيك بنائه وكتابته.هكذا، يمكن وصف الكتاب بأنه يحمل خصوصية ذاته، حيث امتلك صوته الخاص الذي ميزه، فيبدو شاعراً واثقاً من أفكاره ورؤاه وأدواته، وكذلك برزت مقدرته على توظيف الصور والاستعارات، ما جنب الكثير من القصائد رتابة الوصف والسرد.وفي قراءته للمجموعة يكتب الشاعر والناقد العراقي سعد الياسري تحت عنوان: “سادن الريح”، بأن حيمو “اعتمدَ على مقدرةٍ بَصريَّةٍ لافتةٍ، وهو مَدينٌ للفوتغراف (ثابتًا) والسِّينما (سيَّالةً) في اجتراحِ بعضِ بُنى قصائدهِ؛ مجتهدًا في الوفاءِ لتقنياتِ كتابة نصِّ النَّثر دون استغراقٍ في نمطيَّةٍ سائدةٍ ومنفِّرةٍ.. وهذا ممَّا يُحسبُ لهُ”.ويضيف الياسري كذلك بأن الشاعر قد “سعى في عناوين القصائدِ إلى الحفاظِ على خصوصيَّةِ المتونِ، ولعلَّ التلقائيَّةَ الباديَّةَ في نحتِ بعضِ هذه العناوينِ قد خدمتْ القارئَ – قبلَ غيرهِ – في الدُّخولِ إلى عالمِ حنَّا حِيمو دونَ كثيرِ عناءٍ. كما جاء عنوان العملِ “الهواءُ ثُلثا زجاجتي.. ونديميَ البحرُ” ثريًّا متوافقًا مع اشتغالاتِ الشَّاعرِ في اقتفاءِ أثرِ التَّركيبِ المُفرطِ الحساسيَّةِ؛ والذي عادةً ما يكونُ جملةً اسميَّةً – إخباريَّةً - لا فعلَ فيها، ولا طلبٌ يزيحُ المَعنى إلى نقيضهِ أو إلى حدودِ نهائيتهِ”.ويؤكد أن حنّا حيمو في ديوانهِ الأوَّلِ “بالغِ الجدِّيَّةِ، يعلنُ عن شِعريَّةٍ نابضةٍ، وتلقائيَّةٍ سائلةٍ، ونصٍّ وعدُهُ الخصوبةُ. ثمَّةَ تاريخٌ شخصيٌّ أيضًا، وصراعُ ذاكرةٍ، وراحلونَ، وحاضرونَ سيرحلونَ، وباقونَ حتَّى النِّهايةِ.. هؤلاءِ كلُّهم مثَّلوا شهادةَ الشَّاعرِ على نفسهِ المحمومةِ بضروبِ القلقِ؛ وهل الشِّعرُ إلاَّ قلقُنا النَّافرُ”.