نبذة النيل والفرات:على ضفتي نهر الفرات في القسم الأوسط منه بقعة تمتد من حدود (الأنبار) التاريخية شمالاً إلى حدود أور جنوباً تسمى (الفرات الأوسط) وهي تشمل اليوم ثلاثة محافظات مهمة من العراق، كربلاء- الحلة- الديوانية، وهذه البقعة القديمة يحفظ لها التاريخ سجلاً ضخماً حافلاً بالأعمال الجسام مما تشهد به المخلفات الأثرية الموجودة في م...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:على ضفتي نهر الفرات في القسم الأوسط منه بقعة تمتد من حدود (الأنبار) التاريخية شمالاً إلى حدود أور جنوباً تسمى (الفرات الأوسط) وهي تشمل اليوم ثلاثة محافظات مهمة من العراق، كربلاء- الحلة- الديوانية، وهذه البقعة القديمة يحفظ لها التاريخ سجلاً ضخماً حافلاً بالأعمال الجسام مما تشهد به المخلفات الأثرية الموجودة في متاحف أوروبة، فلقد شع نور العلم والحضارة في أرض بابل قبل ميلاد المسيح بأكثر من ألفي سنة و نبتت في سهولها الخصبة أول مدنية عرفها التاريخ وعاش فيها قوم أشداء عرفوا بالجد والعمل، والأقدام والنشاط، فجعلوا من تلك الأرض جنائن خضراء وحقولاً ملأى بالزرع والنخيل تمتد على طول البصر حتى قال المؤرخ اليوناني الشهير هيردوتس في مذكراته عن سياحته في تلك البلاد: "إن سنابل الحنطة في أرض بابل كانت تغطي وجه الفارس".أما القسم الجنوبي من هذه البقعة وهو المسمى بالحيرة فقد كان مقرأ لأول دولة عربية ظهرت في العراق وهي دولة المناذرة. فقد كانت تلك الدولة على ما يرام من القوة والسطوة حتى أن ملوك فارس اضطروا لمحالفة ملوكها واستمالتهم وذلك لتكون لهم درعاً يتقون به خطر الدولة الرومانية الشرقية وخطر أحلافها الغساسنة ملوك الشام في ذلك الوقت، وكانت مدينة الحيرة على عهد أولئك الملوك آهلة بالسكان وفيها كثير من المباني الفخمة.وهناك بين هاتين البقعتين بنيت مدينة الكوفة تلك المدينة التاريخية التي لعبت دوراً مهما في الإسلام. فقد كانت مسرحاً للدسائس والمؤامرات السرية ضد العرش الأموي وقد نسجت وراء جدرانها أخطر الثورات وظلت تنازع خلافة الشام زهاء قرن واحد حتى توفقن لقلب العرش الأموي ونقله من الشام إلى العراق.كل تلك الأماكن يراها الرائي اليوم مقفرة كأنها خرائب لا أثر فيها لذلك التمدن. أما سكانها فأغلبهم يعيشون في القرى والأرياف قد خيم عليهم الجهل والمرض وسادت فيهم الفاقة والخمول لا يمتازون عن أبناء القرون الوسطى إلا بالاسم فقط وأما سكان المدن فيختلفون عن أبناء القرى اختلافاً قليلاً في مظهر الحياة الخارجية.هذه البقعة الصغيرة التي وصفناها للقارئ مجملاً بنا فيها اليوم من سكان ومبان وعادات اجتماعية وغيرها، هي التي يدور عليها محور هذا الكتاب وقد رغب المؤلف في أن يصف حالة هذه البقعة وحالة سكانها وصفاً حقيقياً خالياً من كل حشو أو مبالغة، معتمداً في ذلك كله على المشاهدات والوقائع التي مرت عليه أثناء إقامته في تلك الربوع، كل ذلك خدمة للتاريخ والحقيقة.