حاول الباحث "حسان توفيق أبو إصبع" في هذه القراءات المتنوعة التي تأخذ بناصية التأريخ حيناً، أو تنحاز لمنظورات أخرى في أحايين أخر تقديم عدد من الباحث، في حدود استعراض نتاجاتهم، أو في تسليط الأضواء على ألمعيتهم، أو أبعد أحياناً في إثارة الأسئلة على اقتراحاتهم، لكن التعريف كان هدفه والكشف عن مظاهر الحوار الثقافي والانفتاح ديدنه، حيث...
قراءة الكل
حاول الباحث "حسان توفيق أبو إصبع" في هذه القراءات المتنوعة التي تأخذ بناصية التأريخ حيناً، أو تنحاز لمنظورات أخرى في أحايين أخر تقديم عدد من الباحث، في حدود استعراض نتاجاتهم، أو في تسليط الأضواء على ألمعيتهم، أو أبعد أحياناً في إثارة الأسئلة على اقتراحاتهم، لكن التعريف كان هدفه والكشف عن مظاهر الحوار الثقافي والانفتاح ديدنه، حيث وفرت الشواهد والدلائل التاريخية والحاضرة، ما يشفع له لتأكيد أن الثقافة البحرينية لم تكن يوماً من الأيام فضاءاً منكفئاً على نفسه، ولا منغلقة على ما دونها.. لا في الماضي البعيد ولا القريب، ولا في الحاضر الراهن الذي تهاوت فيه الحدود، وأفسحت ثورات الاتصال لحوارات أكثر وربما أعمق.وكانت البداية مع محاولة لقراءة قائمة الطعام البحرينية التقليدية، التي لا تزال سيدة المطبخ البحريني حتى اليوم، وفي هذه القراءة وجد كيف كان التفاعل الخلاق مع الثقافات الأخرى، وألمح إلى خصوصية التبئية، وأن الانفتاح أو حتى الاستعارة من الثقافات المختلفة تمت بحرفية بحيث ضاع الأثر إزاء مهارة اليد البحرينية، وتجلت الخصوصية لاختلاف الذائقة المتحققة واقعاً.وعلى الرغم من أن العديد من ملامحها ما يزال سراً غامضاً إلا أنه يتوجب علينا أن نصفق للفنانة بثينة فخرو لتفسيراتها المدهشة لأشكال وصور الأختام". وكانت لمحطته الثانية على مسألة الغموض هذه، عند فنان بحريني آخر نذر شطراً كبيراً من عمره وهو يحاول فك هذه الرموز التي حملتها الوثيقة الدلمونية النفيسة طوال أكثر من ثلاثة عقود من البحث الفني المضني، محتفياً حيناً بجمالياتها، ومجتهداً بعض الأحيان في محاولة إدماج الجمالي بالتحليق الإبداعي، وتقديم تصوراته الخاصة لهذه الحضارة متخذاً الإبداع والضربات اللونية مرتكزاً ومحفزاً على اجتهاداته تلك. وإذا ما ذكر الفنان راشد العريفي، فسيذكر الباحث علي أكبر بوشهري، فكلاهما وضع الأختام نصب ناظريه، وراحا سوياً في رحلة بحث لافتة يحاولان اكتشاف هذه لأختام، ولدورهما كان الفصل الثاني محاولة لإعادة تقديم مجهوداتهما.وتمحورت النقلة التالية حول موضوع علاقة الهوية بالعمار من خلال اجتهادات أحد الباحثين الذين حطوا رحالهم في البحرين في فترة معينة، ولم يفته في خلال إقامته تسجيل إعجابه بالعمارة المحلية، أو بإبداء إعجابه بمدينة المحرق، بوصفها مدينة عربية.أما المحطة الرابعة فكانت وقفة في قاعة العادات والتقاليد "في متحف البحرين الوطني بوصفها سردية رسمية حاولت تقديم تصور معين للعادات والتقاليد في المجتمع البحريني للزائر، إما من خلال المجسمات المقترحة، أو عبر الكتابة الوصفية الشارحة التي تقع على هامش المجسم، وانصبت القراءة على وصف هذه القاعة، ومحاولة للوصول إلى المرجعيات التي تقف عليها هذه المعروضات. ولقد تحدث عبد الرحمن مسامح عن المتحف -مثلاً- من منطلق عام، لكن هذه المقاربة تهدف إلى القراءة أولاً وإلى إثارة بعض الأسئلة، خصوصاً وأن القاعة لا ترفد الزائر الأجنبي بتصور واضح حول الثقافة البحرينية من زوايا محددة لجهة المرجعيات والتأثيرات.وكانت وقفته التالية مع تجربة الكاتب والصحافي خالد البسام أحد المولعين بتقديم الوثائق التاريخية والصور الفوتوغرافية النادرة للقارئ العادي غير المتخصص بأسلوب قصصي، وأحد المترجمين لبعض ما تركه المبشرون والرحالة الذين زاروا البحرين وغيرها من الأقطار، أو حطت رحالهم فيها، علاوة على بحثه الذي هدف إلى تقديم حكايات تاريخية مختصرة وخفيفة لكيفية تعامل الأهالي مع الوافد القادم من الخارج، سواء كان بشراً، أو اختراعاً وغير ذلك. وقد رامت هذه القراءة العاشقة أن تنصف البسام كونه أول من عبر طريق هذه النوعية من المؤلفات المحلية، التي تتقاطع فيه الكتابة التاريخية بالصورة، والحكي بالسرد، والتركيز على القضايا التي تزيح جانباً جبروت الحديث عن المعاهدات والاتفاقيات، والمعارك، وحكايات الاستعمار والتحرر، لتلصق بحكايات الناس.الوقفة السادسة تحاول قراءة شيء من حكايات البحر واللؤلؤ. فحكايات بحر "البحرين" ضاربة في القدم، منذ استضافته في يوم سحيق جلجامش بطل السومريين، وحتى مراحل متقدمة من القرن الماضي.وفي القفة التالية كانت محطة ارتحاله عند أحد المؤلفات التي عنيت بقراءة علاقات الهند بالخليج العربي عموماً، من زاوية الدعوة إلى مد جسور طبيعية مع الهند كتلك التي دامت قروناً طوال.أما الوقفة الثامنة فكانت تطرح سؤالاً واحداً فحسب، وهو أن فن "لفجري" بوصفه أحد المكونات الثقافية الواقعة في صميم ثقافة البحر الذي ارتحل من القارة السمراء وحط هنا و تعرض للغربلة ليتبدل ويتمحور ويصبح ذا صبغة محلية.. ألا يمكننا النظر إليه من زاوية تتجاوز حدود الترفيه والسمر، وتقترب أكثر من روح الفن نفسه، أو بنا يلتصق أكثر بالحاجات الإنسانية لحياة المخاطر.وفي المحطة التالية تساءل الباحث أليس الكذب ضرورة فنية قصوى حين يأتي الخطاب التاريخي في سياق أدبي، ومع الروائي البحريني عبد الله خليفة حاول تلمس بعض خيوط الاستفادة من المواد التاريخية المدرجة في نصوصه الإبداعية، لكونه قد تميز عن أقرانه باستلهام مادة التاريخ واستثمارها في أعماله.وخصص محطته الأخيرة للوقوف على مشروع بحثي تأريخي أسهم في نقل البحث التأريخي البحريني إلى فضاءات أرحب. وقدم من ضمن ما قدمه محاولات لافتة في كيفية سبر أغوار البحث التاريخي بالاستناد على الأهزوجة الشعبية والأمثال والرواية الشفهية والوثيقة، وكان هذا المشروع ولا يزال يحقق صدى طيباً عند جمهور المعنيين.