تتكون المصادر الأولى للتاريخ الإسلامي في الأساس من أخبار وروايات عديدة، أخذها المؤرخون من مصادر مختلفة متباينة في الدقة، ولم يعلقوا عليها إلا فيما نذر. ومعنى ذلك أن الإفادة من هذه الكتب تتطلب قدرة على تقييم الروايات المختلفة، ودراسة رواتها الأصليين. وقد برز عروة بن الزبير (ت 94هـ) في أحاديثه وأخباره عن السيرة، فكان مصدراً رئيسيا...
قراءة الكل
تتكون المصادر الأولى للتاريخ الإسلامي في الأساس من أخبار وروايات عديدة، أخذها المؤرخون من مصادر مختلفة متباينة في الدقة، ولم يعلقوا عليها إلا فيما نذر. ومعنى ذلك أن الإفادة من هذه الكتب تتطلب قدرة على تقييم الروايات المختلفة، ودراسة رواتها الأصليين. وقد برز عروة بن الزبير (ت 94هـ) في أحاديثه وأخباره عن السيرة، فكان مصدراً رئيسياً لمن جاء بعده، كالزهري وابن إسحاق، وتبعاُ لهذا، أصبحت دراسة حياته وميوله واتجاهاته ضرورة لازمة لتحديد قيمة ما نقل عنه من نصوص.ومن جهة يرى بلاشير أن مادة السيرة ولفي دللافيدا أن مادة السيرة ظلت تنقل شفها طيلة قرن ونصف من الزمان، كما قال بلاشير وجب أنه لم يوجد أي وعي تاريخي عند العرب في صدر الإسلام، إلا أن عروة بن الزبير-وهو محدّث وفقيه عاش في القرن الأول الهجري-خلّف مادة تاريخه واسعة وردت في المصادر التالية. فأصبح من الضروري جمع آثاره للتعرف على نطاق دراسته، ولتبين مدى الجدية والدقة في مصادر السيرة، ولإعطاء فكرة واضحة عن بداية التأليف التاريخي عند العرب.ولعل لهذه المحاولة هي الأولى من نوعها، وهي لذلك تتلمس طريقها دون دليل أو مؤشر سابق، وتتألف الرسالة من قسمين الأول-أي الدراسة-هو ترجمة عروة وتحليل آثاره، والقسم الثاني هو آثار عروة التاريخية. وقد بدا الباحث بجمع روايات عروة كما وردت في المصادر التاريخية، فتبين له أن الحديث أو الخبر الواحد قد يرد في مصدرين أو أكثر، مما أوجب مقارنة هذه النصوص وتثبيت النص الأدق مع الإشارة إلى الاختلافات في الهامش. وقد اعتمد النص الوارد في المصدر القدم أساساً، إلا في حالة وجود صورة أوفى له في مصدر متأخر.وقد تبين للباحث بعد أن أتم الرسالة أن كتب الحديث-ولم يرجع إليها إلا في حالات قليلة- تحوى روايات تاريخية قد تساعد على زيادة تدقيق النصوص، وإذا يود أن ينبه إلى قيمة الرجوع إليها بشكل أوفى. وتلي جمع النصوص ترتيبها زمنياُ حسب المواضيع. وقد استنار الباحث في محاولته بهيكل تلاميذ عروة في مدرسة المدينة للمغازي، لما عرف من سير الطلبة على هدى الشيخ.وتضمن المجموع روايات عديدة جاءت بإسناد جمعي-عن عروة وعن غيره-لأنها تساعد في توضيح نطاق دراساته، كما أن تكرار نص الخبر الذي يورده عروة برواية آخرين فيه تأكيد لدقة ما رواه ولشهرته. إلا أن بعض هذه الروايات-وهي التي دخل فيها حديث عروة في حديث غيره-أغفلت عند تحليل أسلوب عروة ومنهجه.ثم انتقل الباحث إلى الدراسة فبدأ ترجمة عروة بمحاولة لتحديد تاريخ ميلاده، وجاءت الروايات حول هذه النقطة متباينة، بل ومرتبكة ومتناقضة، مما تطلب النقد والتروي، فعن طريق النقد الداخلي كشف عن نواحي الارتباك في مضمون الرواية الواحدة، وعن طريق تقييم الرواة فضلت رواية على غيرها.ثم تعرض الباحث لنشأة عروة، فذكر منها تلك النواحي التي أثرت على تكوين شخصيته العلمية والاجتماعية، مع إشارات إلى أركان عائلته، الزبير بن العوام، وأسماء بنت أبي بكر، وعائشة، وعبد الله بن الزبير، ولكل منهم مكانته الواضحة ودوره الكبير في التاريخ الإسلامي.وتلت ذلك محاولة لرسم معالم شخصية عروة ونظرته للأحداث، لما في ذلك من أهمية في تقييم رواياته. واتضح أنه-وإن صرح بآرائه وبين مواقعه-لم يكن له أي نشاط سياسي. ثم أشير إلى إمكانيات عروة المالية لما لها من صلة باستقلاله أو عدمه، ولأثرها البين في سير حياته. أما عن سماته الشخصية، فقد عرف بالكرم والتقوى، وشده الإيمان والورع والصبر والتجلد. ثم انتقل الباحث إلى تحليل آثار عروة الرسم وهيكل رواياته لتوضيح نواحي اهتمامه، ثم تعرض الباحث لأسلوب عروة الأدبي ومنهجه في الكتابة.