في كل الحداثات العمودية التي مر بها الشعر العربي، حافظت القصيدة على الوفاء لمفهومي الذات والواقع. الذات تصف الواقع في لحظة حضور فعلي يشترك فيه الطرفان، والقصيدة هي تمده التفاعل بين حضور في: حضور الذات، وحضور الواقع، مع بدء القصيدة الغنائية في الشعر الحر، تحرر الشكل الشعوري من ثباته، وكان السبب في هذا التحرر تحرراً مماثلاً في الم...
قراءة الكل
في كل الحداثات العمودية التي مر بها الشعر العربي، حافظت القصيدة على الوفاء لمفهومي الذات والواقع. الذات تصف الواقع في لحظة حضور فعلي يشترك فيه الطرفان، والقصيدة هي تمده التفاعل بين حضور في: حضور الذات، وحضور الواقع، مع بدء القصيدة الغنائية في الشعر الحر، تحرر الشكل الشعوري من ثباته، وكان السبب في هذا التحرر تحرراً مماثلاً في المضامين، وزهداً في فكرة الأغراض.لقد دأب النقد الحديث على نبش الجسد الشكلي للشعر، والاكتفاء بعناصر التنميط الصوتي الصدرية من أوزان وبحور وقوافٍ وحدها باعتبار سناد التغيير الشعري وعماد (أو عمود) الشعر الحديث. والأطروحة التي يقترحها هذا الكتاب، هي أن فكرتي الذات والواقع، لا تقلان خطراً في توصيف الشعر عن الوزن والقافية. إن موقف شعراء الحقب المختلفة من الذات والواقع هو الذي يحدّد موقعهم من الحداثة تماماً مثلما يحدد موقعهم من الأشكال الشعرية المختلفة.ويقول الكاتب أنه إذا جاز لنا الحديث عن حقب شعرية، فإن هذه الحقب تدين في وجودها إلى المضاربين بقدر م تدين إلى الأشكال. إن الشكل نفسه هو مضمون تحجّر، إذا استعملنا لغة فلسفة، وعناصر التنميط الصوتي، هي أيضاً عناصر تنميط ولامي في الوقت نفسه، وفي جميع حقب التغيير يتزامن الموقف من الذات والواقع (وهذه قضية جوهرية تشكل جوهر الحدث) مع المواقف من الأشكال والبنية المجرّدة. ولقد كان أهم تغيير طرأ على "عمود" الشعر هو أن الذات الشعرية لم تعد ذاتاً "حجميه"، مطابقة للواقع، بل تحولت مع موجة قصيدة الشعر الحر إلى ذات "فردية" مقاليه تريد أن تقيد رسم الواقع أمثولياً، أي أنها تصنع لها واقعاً خاصاً من خلال الأمثولة أو الحكاية الرمزية.وحين جاءت قصيدة النثر لم تكتف بذلك بل ذهبت إلى ما هو أبعد منه، فقضت على ما تبقى من الذات الفردية، واطّرحت مفهوم، الشخصية، ولم تعد تتناول الواقع أمثولياً بل همشته وتخلت عنه. هكذا يتضح للقارئ ومن خلال ما سبق أن تعامل القصيدة العربية مع مفهومي الشخصية والواقع قد مرّ بسلسلة تاريخية من التحولات بدأت بتحويل الذات الجمعية إلى ذات فردية، ثم تحويل الذات الفردية ‘لى "ذات مجردة" أو "لا ذات"، ومن وصف الواقع إلى تحويله إلى أمثولة، ثم التخلي عنه. وترافق ذلك مع التحويلات البنائية في نقل الإيقاع من البيت إلى التفعيلة إلى الجملة، وفي الموقف من الظواهر الأخرى كالقافية والوزن والسرد والحشو..الخ...ومن الواضح أن كل ذلك حصل بتأثير من احتكاك الحداثة العربية بالحداثة الغربية، وهو أمر جعل حركة الحداثة في الشعر العربي تعاني جملة من الأمراض الأدبية. ضمن هذه المقارنة تأتي الدراسة في هذا الكتاب وذلك في إطار منطق الكشف الشعري في القصيدة العربية، بعد تحويلاتها.وأما المحاور التي تناولها الباحث فهي: منطق الحداثة الشعرية، الشعرية والخطاب الشعري، شعرية المرآة "طبيعة الصورة المرآوية عند السياب، أجراس الموت والميلاد "قراء في القصيدة" الموت والنهر، الاكتمال الناقص، غناء آلة التصوير "قصيدة حلم في أربع لقطات" مدينة الأخطبوط "ورقة البهاء" بين اللغو\ة والكتابة: أرض المعمدان البديل " تكييف الأسطورة في "أرض فقيرة"، حدائق الكينونة المطفأة " قصيدة مدينة واحدة لا تكفي لذبح عصفورة"... معنى اللامعنى: قصيدة النثر الثمانينية.