"الاختيار؛ السيطرة على العالم أم قيادة العالم" كتاب تنبؤي من جهة وتوجيهي من جهة أخرى. ونقطة انطلاقه هي أن الثورة الحديثة في مجال الاتصالات، تعزز بشكل مطرد بروز مجتمع عالمي ذي مصالح مشتركة متزايدة محوره أميركا. لكن العزلة الذاتية المحتملة للقوى العظمى الوحيدة في العالم قد يغرق العالم في فوضى متصاعدة، يزيد من شرورها انتشار أسلحة ا...
قراءة الكل
"الاختيار؛ السيطرة على العالم أم قيادة العالم" كتاب تنبؤي من جهة وتوجيهي من جهة أخرى. ونقطة انطلاقه هي أن الثورة الحديثة في مجال الاتصالات، تعزز بشكل مطرد بروز مجتمع عالمي ذي مصالح مشتركة متزايدة محوره أميركا. لكن العزلة الذاتية المحتملة للقوى العظمى الوحيدة في العالم قد يغرق العالم في فوضى متصاعدة، يزيد من شرورها انتشار أسلحة الدمار الشامل. وبما أن قدر أميركا-بالنظر إلى الأدوار المتناقضة التي تلعبها على الصعيد العالمي-أن تكون العامل المساعد إما في إيجاد مجتمع عالمي وإما في التسبب في فوضى عالمية، فعلى الأميركيين تقع المسؤولية التاريخية الفريدة في تحديد أي الأمرين سيتحقق. والخيار يكمن بين الهيمنة على العالم وبين قيادته. وبالتالي تحاول الصفحات التالية الإجابة على الأسئلة التالية: ما هي التهديدات الرئيسية التي تواجه أميركا؟ وهل يحق لأميركا الحصول على أمن أكثر الأمم الأخرى بالنظر إلى مكانتها المهيمنة؟ كيف ينبغي أن تواجه أميركا التهديدات المهلكة المحتملة إلى تصور بشكل متزايد عن أعداء ضعفاء لا عن منافسين أقوياء؟ هل تستطيع أميركا أن تدير بشكل بناء علاقتها على المدى البعيد بالعالم الإسلامي، الذي ينظر العديد من أبنائه البالغ عددهم 1,2 مليار نسمة إلى أميركا بشكل متزايد على أنها العدو اللدود؟ هل تستطيع أميركا العمل بشكل حاسم على حلّ الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني بالنظر إلى مطالب الشعبين المتداخلة والمشروعة في آن بالأرض ذاتها؟ ماذا يلزم لإيجاد استقرار سياسي في "بلاد البلقان" العالمية الجديدة المتقلبة والواقعة في الحافة الجنوبية لأوراسيا الوسطى؟ هل تستطيع أميركا تأسيس حقيقية مع أوروبا، بالنظر إلى تقدّم أوروبا البطيء نحو الوحدة السياسية وتزايد قوتها الاقتصادية؟ هل يمكن ضمّ روسيا، التي لم تعد منافسة لأميركا إلى إطار أطلسي تقوده أميركا؟ ما الدور الذي يمكن أن تمارسه أميركا في منطقة الشرق الأقصى، بالنظر إلى استمرار اعتماد اليابان وإن بشكل متردّد على الولايات المتحدة-فضلاً عن تنامي العسكرية بهدوء.وبالنظر أيضاً إلى تنامي القوة الصينية؟ هل ستصبح الديموغرافيا والهجرة تهديدين جديدين للاستقرار العالمي؟ هل تتوافق ثقافة أميركا مع المسؤولية الإمبريالية بالضرورة؟ كيف ينبغي أن تستجيب أميركا إلى بروز عدم المساواة في القضايا الإنسانية، وهي مسألة تعجل الثورة العلمية الحالية في ظهورها وتزيد العولمة في حدتها؟إن القوة الأميركية والعولمة المتغلغلة هما الحقيقتان المركزيتان للعالم اليوم، ومصدر أصعب المعضلات التي يواجهها. فالقوة الأميركية غير المسبوقة تاريخياً هي المصدر الحاسم للأمن العالمي، ومع ذلك يشعر الأميركيون بأنهم أقل أمناً من أي وقت مضى. ويعزز التكافل العالمي واليقظة السياسية الواسعة للإنسانية السيطرة الأميركية حتى وإن كانا يولدان الحسذ الذي يثير العداء لأميركا ويعبئان مشاعر الاستياء ويفعّلان قدرات أعداء أميركا من خلال انتشار التكنولوجيات المدمّرة.في كتاب "الاختيار" يذكّر زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الاميركي الأسبق، الأميركيين بوجوب عدم الخلط بين قوتهم والقوة غير المحدودة. فرفاهية أميركا متشابكة مع رفاهية العالم. والانشغال الناجم عن الخوف بالامن الاميركي المنعزل، والتركيز الضيّق على الإرهاب، وعدم المبالاة بشواغل الإنسانية القلقة سياسياً لا يعزز الأمن الأميركي ولا يتوافق مع حاجة العالم الحقيقية للقيادة الأميركية. وما لم توفق أميركا بين قوتها الطاغية وجاذبيتها الاجتماعية المغوية والمضطربة في آن معاً، فقد تجد نفسها وحيدة وعرضة للهجوم فيما تشتدّ الفوضى العالمية.