تناول كتاب (توينبي ونظرية التحدي والاستجابة ــ الحضارة الإسلامية أنموذجاً) لمؤلفه زياد عبدالكريم النجم، موقف المؤرخ والفيلسوف المعروف أرنولد توينبي من الحضارة الإسلامية، عبر تحليل كيفية تطبيق أفكاره على نشؤ الحضارة الإسلامية والمراحل التي مرت بها، والآلية التي استخلص من خلالها توينبي نظريته في نشؤ الحضارات وسقوطها، والتحديات الت...
قراءة الكل
تناول كتاب (توينبي ونظرية التحدي والاستجابة ــ الحضارة الإسلامية أنموذجاً) لمؤلفه زياد عبدالكريم النجم، موقف المؤرخ والفيلسوف المعروف أرنولد توينبي من الحضارة الإسلامية، عبر تحليل كيفية تطبيق أفكاره على نشؤ الحضارة الإسلامية والمراحل التي مرت بها، والآلية التي استخلص من خلالها توينبي نظريته في نشؤ الحضارات وسقوطها، والتحديات التي تخلق الاستجابات في عملية نمو الحضارة.التحدي عند توينبي هو نقطة البدء في عملية التحول الحضاري، عبر انتقال التحدي الخارجي إلى انفعال خارجي، ليظهر الإحساس بالمشكلة تدريجياً من مجال المادة إلى مجال الروح، التي تعمل بدورها على رفض ما هو قائم وتذليله وفق متطلباتها وتطلعاتها الذاتية.وكما ربط توينبي بين الفئة المبدعة ونشأة الحضارات بشكل وثيق.كذلك ربط بين سقوط الحضارات وتحول الفئات المبدعة إلى فئات مستبدة وعاجزة. فتوينبي يرفض أن يدرس الدول أو الأمم كوحدة حقيقية للتحليل التاريخي، لأن (الحضارة) عنده هي الحجر الأساس لأي عملية فهم أو تأريخ لحياة الشعوب السياسية والاجتماعية.وبالنسبة للحضارة الإسلامية يجد توينبي أنها نشأت استجابة لتحديات طبيعية تتمثل في ظروف الجفاف والصحراء وقلة المياه، واستجابة لتحديات بشرية تمثلت في (الغزو الثقافي والعسكري)، ولا سيما من قبل الحضارتين الرومانية والفارسية، اللتين حاولتا إخضاع جزيرة العرب بطرق مباشرة أو عن طريق الوكالة.كما يذهب توينبي إلى الحضارة الإسلامية، هي نتاج اندماج (المجتمعين العربي والإيراني).وهما بدورهما وليدا (المجتمع السرياني) أيضاً، على الرغم من أن ذلك لم يمنع الصراع الكبير بين الفرس والعرب في بداية نشؤ الدولة الإسلامية في مكة.وعموماً فإن توينبي يعتبر الدين السمة الأساسية لأي حضارة، حتى إنه يسمي الحضارات باسم الدين الذي نشأت في خلاله، ولذلك فإن التحديات والاستجابات هي في الغالب ذات بعد ديني، وهذا يعني أن تحديات الحضارة الإسلامية وصداماتها هي في جوهرها صدامات مع أصحاب الديانات الأخرى، كما أن هذه الحضارة ارتكزت على نشر الدين الإسلامي كأساس لعملها السياسي.وهذا الأمر هو ما دفع إلى توجيه النقد لنظرية توينبي في الحضارات، فهو قرأ الحضارات ولا سيما الحضارة الإسلامية من منظور الديانة المسيحية، كما أنه حصر نشأة الحضارات وارتقاءها في نطاق نشأة الأديان فقط، متجاهلاً الحضارات التي لم تحمل دين معين، الأمر الذي يثير الشكوك حول نظرية توينبي في تفسير الحضارات الحالية.أما المشكلة الثانية التي وقع فيها توينبي من وجهة نظر المؤلف فهي (التعميم)؛ فالتعميم دفعه إلى قضايا (قد لا تكون موضوعية)، ومنها وصفه للحضارة الأوروبية الحديثة بأنها تنتمي للدين المسيحي الكاثوليكي، متناسياً أن الحضارة الحديثة قد بدلت قيمها الأخلاقية وطرقها في التفكير.كما أن تلك الملاحظات دفعت المؤلف إلى التساؤل النقدي: هل القوانين التاريخية لها صفة الحتمية، وتنطبق على جميع الحضارات المختلفة؟ وهل الحضارة الإسلامية هي نسخة طبق الأصل عن الحضارات الأخرى؟ بحيث يغدو من الممكن أن نجعل من دراسة الحضارات الأخرى دليلاً ومرشداً، نقتبس منه تصوراتنا لمستقبل الحضارة الإسلامية وحلاً لأزماتها بصورة حتمية.