إن ما اجتمع من أخبار ابن السراج وما ذكر عنه ليدل دلالة لا جدال فيها على أنه علم من أعلام النحو، وإمام من أئمة الثقافة وشيخ من شيوخ اللغة. عاش أكثر من نصف قرن من الزمان وشهد حضارة العرب الزاهرة في القرنين الثالث والرابع الهجريين، وعاصر التطورات السياسية والاجتماعية والثقافية وما آلت إليه حياة العرب والمسلمين في ظلال الدولة العباس...
قراءة الكل
إن ما اجتمع من أخبار ابن السراج وما ذكر عنه ليدل دلالة لا جدال فيها على أنه علم من أعلام النحو، وإمام من أئمة الثقافة وشيخ من شيوخ اللغة. عاش أكثر من نصف قرن من الزمان وشهد حضارة العرب الزاهرة في القرنين الثالث والرابع الهجريين، وعاصر التطورات السياسية والاجتماعية والثقافية وما آلت إليه حياة العرب والمسلمين في ظلال الدولة العباسية، فهو واحد من أولئك العلماء الذين أعطوا العربية الكثير وعنوا بالمحافظة عليها كالخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب، فمعظم هؤلاء أخذ عنهم ابن السراج ونقل علمهم الى الأجيال التي جاءت من بعدهم، ثم انتهت إليه رئاسة النحو بعد موت أبي العباس المبرّد وموت الزجاج، وأصبح أستاذاً يرحل إليه ويؤخذ عنه.ولقد بقي على كثرة ما ألّف قبله وبعده في النحو - كتاب "الأصول" أول كتاب في مضماره، فقد أثنى عليه القدماء ووصفوه بأجل الأوصاف مثل قولهم: أصبح المرجع إليه عند اضطراب النقل واختلافه، وقولهم: كان النحو مجنوناً فعقله ابن السراج بأصوله "ونصوا على أنه" أول كتاب جمع أصول العربية معتمداً على كتاب سيبويه مختصراً مسائله مرتباً أبوابه أحسن ترتيب، معولاً على مسائل الأخفش والكوفيين. مخالفاً لأصول البصريين.ومن يقرأ كتاب الأصول يعرف أن ابن السراج كان منهجياً قويم النظرة في عرض مادة كتابه، فلم يشأ أن يجري دراسته النحوية على النهج الذي ألفناه في كتب من سبقه مجافياً لمذهب التقنين والقواعد فقد أدرك أن مدار علم النحو في كتابه مبني على استخراج الأصول النحوية مع الالتزام بالدقة في كل موضوع، وقد بوّب كتابه تبويباً يشبه الى حدّ كبير تبويب كتاب سيبويه، لكن موضوعات أصول ابن السراج غير متداخلة كموضوعات الكتاب لا يمكن التمييز بينها، فقد رتب على الشكل الذي ألفناه في الوقت الحاضر، فبدأ بمرفوعات الأسماء، ثم المنصوبات والمجرورات، وانتقل بعد ذلك الى التوابع كالنعت والتوكيد وعطف النسق وعطف البيان، والعطف بالحروف. ثم أشار الى نواصب الأفعال وجوازمها، وزاد باب التقديم والتأخير، وباب الإخبار بالذي وبالألف واللام، وانتهى الى مسائل الصرف.وكتاب الأصول خالٍ من المقدمة، قليل الاستطراد، موضوعاته المتشابهة محصورة في باب واحد لا في أبواب متفرقة كما هي الحال في كتاب سيبويه يبدأ بتعريف النحو العربي وينتهي بباب ضرورة الشاعر.هذه النعوت بعض من الحوافز التي دعت عبد الحسين الفتلي لتحقيق هذا السفر الكبير، فأكمل الناقص، وأقام المعوج، وهذب المختل في دقة وأمانة دون المساس بالمعنى أو بمواد المؤلف، وقد حافظ على النص وعدم التدخل فيه إلا بالقدر الذي لا يمس جوهره كإعادة كتابة كلمة وفق القواعد الإملائية الصحيحة. وكل ما امتدّت إليه يديه بالتقويم والتهذيب أو الإضافة أو الحذف أشار اليه في الحاشية حرصاً على أمانة النص العلمية وفق القواعد التالية:أولاً_ تتبع مسائل ابن السراج جميعها في كتابه، وأرجع الأصول التي نقلها الى أصحابها ما أمكن ذلك، لأن بعض الكتب التي نقل عنها مفقودة.ثانياً_ وجد في النص جملاً غير مستقيمة فحاول تقويمها بما يلائم السياق من زيادة كلمة أو حرف.ثالثاً_ ترجم للأعلام الذين وردت أسماؤهم في المخطوط وضبطها ما أمكنه ذلك.رابعاً_ خرج الشواهد من آيات وأحاديث وأشعار وأمثال متبعاً ما يلي: الآيات القرآنية، ردّها الى مواضعها في المصحف الشريف وذكر في الهامش رقمها واسم السورة التي وردت فيها، كما أكمل الناقص من الآيات في الهامش مشيراً الى القراءات إذا كان هناك قراءة في آية من الآيات. الأحاديث النبوية، وهي قليلة في الكتاب، فقد تتبع ما جاء منها في كتب الحديث والمعاجم واللغة والنحو وبين ما كان منها حديثاُ وما كان من كلام العرب المأثور عنهم. الأمثال، وكانت هي الأخرى قليلة، لجأ في ذلك الى كتب الأمثال للتحقق منها، وكذلك كتب اللغة والنحو وخرجها وشرحها بما يتفق والموضوع الذي وردت فيه. شواهد الشعر، كان يرجع فيها الى دواوين الشعراء وكتب اللغة والنحو والمعاجيم، أكمل الناقص منها في الهامش، وشرح الغامض من مفرداتها اللغوية الصعبة -وما أكثرها- شرحاً موجزاً يخدم الموضوع الذي سيق له شاهداً عليه، ونسب الشواهد غير المنسوبة الى قائليها، وكذلك كان يذكر بإيجاز بعض الفوائد النحوية التي تتصل بموضوعات المسائل، وذلك كخلاف بين بعض النحويين مما يرجع، رأي ابن السراج أو يضعفه، وكل ذلك في الهامش بغية تعميم الفائدة وإفادة القارئ.شرح المفردات الغربية التي وردت في المخطوط شرحاً لغوياً موجزاً، وقد اعتمد في ذلك على بعض المعاجيم العربية: كالتهذيب والصحاح واللسان والقاموس والمحكم لابن سيده والجمهرة لابن دريد.جاء النص مشكولاً في الجزء الأول والجزء الثاني نسخة المتحف البريطاني، فحافظ على الشكل، لأن القسم الأكبر من الكتاب صرف، فهو عرضة للبس والإبهام، وقد حاول تصحيح ما وجده خطأ من ذلك.