نبذة النيل والفرات:محمد رستم حيدر شخصية فذّة في تاريخ النهضة العربية وتاريخ العراق السياسي الحديث، اجتمعت فيه صفات جعلته نسيجا وحده بين رجالات العرب وساسة العراق في العهد الملكي. فقد كان دوره المبكّر في الحركة العربية بتأسيس جمعية "العربية الفتاة"، ثم التحاقه بفيصل (الأول) في حملته على سورية، ودوره في مؤتمر الصلح في باريس، وخلال...
قراءة الكل
نبذة النيل والفرات:محمد رستم حيدر شخصية فذّة في تاريخ النهضة العربية وتاريخ العراق السياسي الحديث، اجتمعت فيه صفات جعلته نسيجا وحده بين رجالات العرب وساسة العراق في العهد الملكي. فقد كان دوره المبكّر في الحركة العربية بتأسيس جمعية "العربية الفتاة"، ثم التحاقه بفيصل (الأول) في حملته على سورية، ودوره في مؤتمر الصلح في باريس، وخلال قيام الحكومة العربية السورية في عهد فيصل، ثم في دولة العراق الحديثة، دوراً أساسياً وإيجابياً في كل فترة من هذه الفترات الثلاث من تاريخ البلاد العربية القريب.ولعل النهاية المأساوية التي انتهت بها حياته تلقي بظلال الحزن على حياة هذا الإنسان إذ أن حياته انتهت بصورة مفاجئة ومؤلمة برصاصة مغتال وهو في منصب من أرفع مناصبه. اغتيل هذا الرجل الذي قضى ما يقرب من ربع قرن من الزمان في معية الملك فيصل الأول، ثم ابنه غازي، حيث شغل طيلة تلك الفترة أعلى المناصب، رئيساً للديوان الملكي، ووزيراً خطيراً في عرة وزارات، وعضواً في مجلس النواب ثم في مجلس الأعيان، كما أنه كان من أهم موجهي سياسة الدولة العراقية منذ بداية نشوئها، والمستشار الرئيس للملك فيصل الأول، وكاتب خطبه، وكاتم أسراره. انتهى هذا الرجل ولم يكن يملك سوى مبلغ زهيد ودار صغيرة مرهونة وبضعة دفاتر كان رستم حيدر يدوّن فيها يومياته، وبعض أوراق خاصة، بينها أوراق ورسائل شخصية، ووثائق رسمية تعود إلى مختلف فترات حياته، أو ذات صلة بالأعمال والمفاوضات الرسمية التي أسهم فيها خلال خدمته الطويلة في العراق، وقبل ذلك بوصفه سكرتيراً خاصاً للأمير فيصل، قائد الجيش الشمالي، ومندوب الحجاز في مؤتمر الصلح بباريس، وملك سورية، ثم ملك العراق.وهذه اليوميات هي تشكلت منها مادة هذا الكتاب الذي حمل عنوان "مذكرات رستم حيدر". ولما كانت هذه المذكرات أو هذه اليوميات التي دونها صاحبها بخط يده تغطي فقط فترة قصيرة من حياته ولما كان من المهم تغطية حياة هذا الرجل في جميع مراحلها كذلك كله. عمد نجدة فتحي صفوة إلى كتابة مقدمة عرض فيها سرة رستم حيدر قبل هذه الفترة وبعدها، في محاولة لإعطاء القارئ صورة متكاملة لحياة صاحب المذكرات منذ نشأته في بعلبك حتى مقتله في بغداد. وقد رجع في إعداد هذه المقدمة ولتوثيق هذه السيرة إلى أسرة رستم حيدر لتزويده بكل ما لديهم من معلومات، كما أنه رجع إلى أصدقائه وعارفيه في العراق، واطلع على وثائق البلاط الملكي المحفوظة في المركز الوطني لحفظ الوثائق ببغداد.بالإضافة إلى ذلك فقد أفاد المحقق نجدة فتحي صفوة كثيراً من الوثائق البريطانية، وهي تحتوي على المعلومات التي كانت تبعث بها دائرة المندوب السامي في عهد الانتداب، ثم السفارة البريطانية، واستخبارات القوة الجوية البريطانية، إلى مراجعها في لندن من تقارير عن أحداث العراق وشخصياته. حيث كان البريطانيون على صلة وثيقة بمعظم الشخصيات العراقية في العهد الملكي، كما أنهم كانوا مطلعين اطلاعاً جيداً على كثير من أمور البلد عن طريق اتصالاتهم واستخباراتهم. بالإضافة إلى ذلك فقد أفاد المحقق مما تراكم في ذهنه، كعراقي نشأ في العراق، من انطباعات ومعلومات كانت تتردد عن هذه الشخصية المهمة والتي تحدث عنها الناس بالخير والشر، وبالحق والباطل. مهما يكن من أمر، فإن قتل رستم حيدر كان جريمة مؤسفة ليس لها ما يبررها. خسر العراق والأمة العربية بارتكابها شخصية فذّة، قدمت لها خدمات جليلة، وهذا ما ستكشف عنه صفحات هذا الكتاب.