إن أحد أكثر الأمور إثارة للدهشة بشأن الفن الإسلامي هي الطريقة التي اقترن بها أسلوب معين بأكمله وموروث كامل من الموضوعات (الموتيفات) ونظام معماري مميز، منذ بداية عصر الهجرة، بفكرة وعقيدة. بهذا المضمار، يتميز الفن الإسلامي تماماً عن الفن المسيحي حيث كان التشعب، لا التوحد، سمته الطاغية. إن فنون سائر الأطوار المسيحية (كالبيزنطية وال...
قراءة الكل
إن أحد أكثر الأمور إثارة للدهشة بشأن الفن الإسلامي هي الطريقة التي اقترن بها أسلوب معين بأكمله وموروث كامل من الموضوعات (الموتيفات) ونظام معماري مميز، منذ بداية عصر الهجرة، بفكرة وعقيدة. بهذا المضمار، يتميز الفن الإسلامي تماماً عن الفن المسيحي حيث كان التشعب، لا التوحد، سمته الطاغية. إن فنون سائر الأطوار المسيحية (كالبيزنطية والكارولينيجية والرومانسكية والقوطية وعصر النهضة) كان متبايناً كلياً.وهناك تنوع واسع بين منطقة وأخرى. والحق أن التنوع كان عصب الفن المسيحي. أما في العالم الإسلامي، على الجانب الآخر، فقد كان هناك توحيد أعظم سواءً في الفترة الزمنية أو الرقعة الجغرافية. في المقام الأول، لم يلجأ الفنانون إلى الجديد وغير المألوف بالطريقة التي أقدم عليها فنانو عصر النهضة، بل بالأحرى تمسكوا بالأنموذج (الموديل) الذي انحبست ينابيعه بفعل الزمن والتقليد، محاولين أن يجددوا أهليته ويصلحوا شخصيته بتنويعات حاذقة للتفصيل.وفي المقام الثاني، أن تبني مساحة شاسعة بأكملها، من الهند إلى إسبانيا، لنسق خطي معين والذي ساهم بدوره في إرساء شكل أساسي للتحلية في الفن، كان ذا تأثير موحّد هائل. بسبب هذين العاملين، قد يوحي الفن الإسلامي، للوهلة الأولى، بدرجة معينة من التشابه بالنسبة للعين الغربية، وقد يصعب تحديد مكان إنتاجه ناهيك عن تحديد تأريخه. لكن، وبمزيد من التبصر فيه،سرعان ما يتبدد الانطباع الأول.لذا، كان هدف المؤلف من جمع هذا الكتاب تقديم الأعمال الفنية أولاً بالنسبة لفترتها الزمنية، وثانياً بالنسبة لمصادرها الجغرافية، لكي يوضح التطورات الحاصلة عليها على مرّ العصور، والتنويعات التي أدخلتها عليها الأقاليم المختلفة، حيث أن العالم الإسلامي شكّل امتداداً شاسعاً ضمّ في أرجائه كذلك ناساً ينتمون إلى كل الأعراق البشرية المعروفة تقريباً. وبالمقابل فإن هذا الهدف فرض تقسيماً لفصول الكتاب يختلف كلياً عن معظم الكتب التي تناولت الفن الإسلامي، والذي عادة ما يتحدد إما على أساس حدود جغرافية فاصلة، أو على أساس المادة الفنية، ويكرس النص لمنطقة معينة بالذات، أو للخزف أو للأعمال المعدنية، أو للرسم، أو لأي شيء آخر يتم تناوله بصورة مفردة وفي فصول مستقلة. أما الغاية من هذا الكتاب فهو المساعدة في التعريف بطبيعة التطورات التي حصلت في حقب زمنية مختلفة، وكذا العوامل التي ميّزت الفنون في منطقة ما عن مثيلاتها في منطقة أخرى.