صغيرات على الحب

"ها هي اللحظة التي لم تتوقعها سارة في حياتها قد أتت.. وهي أن تتصدق بملابس وأغراض أمها الى محتاج أو مسكين كما لو تعطيه أجزاء متفرقة من يومياتها وحياتها على شكل ملابس وأحذية وإكسسوارات. هنالك بعض الأشياء ستحتفظ بها وتتقاسمها مع أختها التوأمة سيرين مثل المجوهرات والطرح الدانتيل والبروشات والباقي صدقة لوجه الله تعالى. أخذ طفلها بدر يفتح إحدى الصناديق بيديه الصغيرتين ذي الأظافر الطويلة المتسخة ويفتح معه فمه.. لعق حذاء القدم اليسرى وشد قبضته على حذاء اليمنى كي ينتظر دوره ليغمس بلعابه، زجرته أمه فصرخ وبكى وأخذ يرفس ويتلوى على السجاد حتى سقطت بعض صناديق الأحذية من مكانها حين ارتطامه بها بعشوائية. حملته سارة بقسوة ومدت فرشة صغيرة على الأرض وقالت بنبرة حازمة: أنت معاقب، ستجلس هنا خمس دقائق لأنك لم تسمع كلام ماما وعبثت بصناديق الأحذية. نظر اليها بدر بعينين واسعتين تسبح فيهما الدموع ولم يتحرك. التفتت الى إعصار الأحذية المبعثرة من توابيتها (الصناديق) وكأن الأحذية قررت أن تفدي نفسها لقدم أخرى غير قدم سيدتها التي أخلصت في انتعالها سنوات من عمرها وعادت سارة تلملم وترصص من جديد حتى صرخت فجأة: ما هذا؟؟حزمة أوراق تم لفها بشريط أحمر مكتوب عليه بخط تعهده (زهور خمسينية) سقطت عنوة من أحد صناديق الأحذية. حملت الحزمة التي تم وضعها بطريقة تتفق مع حجم صندوق الحذاء سحبت الشريط الأحمر بخفة وأمسكت برزمة الورق لتزن حجمها فارتعبت من ثقلها.. وأخذت تقلب صفحاتها ففاجأها انها غير ممضية بتاريخ أي إن الأمر جديّ ويخضع للبوح المطلق.. حينها قالت في دهشة يأسرها خوف: كيف فعلت هذا؟ ولماذا؟ أتراني سأتلصص على أسرارها وهي في القبر بين يدي الله؟ أتكون مثلاً فعلت شيئاً شنيعاً أو قذراً في حياتها تخاف عليه من الإفصاح ودسته في صندوق أحذية حيث يجهل كائن من كان مكانه؟ هل لو قرأته سأتوقف عن الدعاء لها بالمغفرة والجنة؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. أول صفحة من المذكرة غير المؤرخة كتب فيها: ارحمني وارحمهم. وثاني صفحة مرت عيناها على السطر الأول فيها ثم أخذت نفساً سريعاً وذهبت الى غرفتها وأقفلت بابها وشرعت تقرأ السطور بتركيز أكثر وبرهبة أقل". رواية عن سيرة ذاتية لأم تحكى عن صديقاتها وتكشف الكثير من الأسرار.