الحرية، تلك الكلمة البراقة التي تجذب إليها كل النفوس على إختلاف أهوائها وآرائها، ليست سوى تعبير عن مفهوم من تلك المفاهيم الكثيرة التي عني بها الناس منذ فجر نشأتهم في هذا العالم، لحاجتمهم الماسة إليها حيث يرون بعامتهم أنها من ضروريات الحياة البشرية على وجه هذه المعمورة، ولكنها تمتاز عن غيرها من المفاهيم الإنسانية في أنها تمتلك جا...
قراءة الكل
الحرية، تلك الكلمة البراقة التي تجذب إليها كل النفوس على إختلاف أهوائها وآرائها، ليست سوى تعبير عن مفهوم من تلك المفاهيم الكثيرة التي عني بها الناس منذ فجر نشأتهم في هذا العالم، لحاجتمهم الماسة إليها حيث يرون بعامتهم أنها من ضروريات الحياة البشرية على وجه هذه المعمورة، ولكنها تمتاز عن غيرها من المفاهيم الإنسانية في أنها تمتلك جاذبية أشد في دائرة أوسع، وما ذلك إلا لأنها مبهمة المعنى في أذهانهم لا يحدها حد، ولا يضبطها قيد، ما يجعلها قابلة للتفسيرات المختلفة، والتأويلات المتفاوتة. لذا راح الناس منذ القديم ينشدون الحرية، ويتغنون بها، ويسعون إلى نيلها يكا قواهم، بحسب فهمهم لها، بل بحسب ما يحلو له.وكثيراً ما يطرح اليوم موضوع حرية الرأي في وسائل الأعلام وأدوات التثقيف بوصفه موضوعاً حيوياً، وحاجة بشرية لا يمكن للحياة الإنسانية أن تستمر بدونها. وقد راح القوا بأن الحضارة الغربية بأنظمتها العلمانية السياسية والفكرية تؤمن للإنسان كل أنواع الحرية بما فيها حرية الرأي، إذ يتمكن الإنسان الغربي من التعبير عن رأيه دون أن يخاف الرقيب، وبوسعه أن ينتقد من يريد أن تطال كلامه مقصات الرقابة.في الوقت عينه، ومن خلال وسائل الإعلام العالمية والمحلية، يقتحم مسامعنا. إن الإسلام يقف على الطرف النقيض من الأنظمة الغربية حيث لا يسمح بإبداء الرأي، ولا بالتعبير عن الأفكار التي يحلو للإنسان أن يعبر عنها، ويحرَم عليه أن ينتقد ما لا يروق له تحت طائلة العقوبات التي قد تصل إلى الإعدام.لذلك، إن الثمرة المتوخاة من هذا البحث هي معرفة ما إذا كان ما يشاع عن الإسلام من معارضته لحرية الرأي والتعبير حقاً وواقعاً، أم أنه مجرد حرب إعلامية ودعائية تمارس ضد الإسلام بهدف إقصائه عن ساحة الصراع، لتحدد فاعليته خوفاً من تأثيره المتصاعد على العالم.فإن كان ما يشاع عنه أمراً واقعاً صارت القضية برسم المتشرعة والفقهاء الإسلاميين لإعادة قراءة النصوص الإسلاميَة وفاقاً للحاجات الإنسانية، وفي طليعتها حرية الرأي والتعبير، ليصححواما يمكن تصحيحه من خلال إعادة النظر في التشريعات التي خلصوا إليها في هذا المجال، وإعادة قراءة النص الديني علو وفق النظرة الحضارية الضرورية الموافقة لمتطلبات العصر، عسى أن يجدوا ما يرشدهم إلى تصحيح الموقف. وذلك لأن الثابي الذي لا يقبل التشكيك، بحسب الأدلة الأساسية العامة في الدين الإسلامي، أن الإسلام دين خالد، ويصلح لكل زمان ومكان، وأن فيه منطقة فراغ على العلماء والمجتهدين ملؤها بما يتناسب مح حاجات البشر ضمن المعطيات الفقهية المتوفرة فيه. وهذا ما يترك باب الإجتهاد مفتوحاً على مصراعيه ومجال إعادة قراءة النص الديني بنظرة جديدة تتلاءم مع روح العصر. وليس في ذلك تغيير للثوابت، وإنما هو تصرف في منطقة "المتغير" أو ما يعرف بـ "المرن" في الإسلام.وإذا كان الأمر على خلاف ذلك أصبحت القضية برسم أرباب الفكر في أنحاء العالم؛ ليعيدوا قراءة الفكر الإسلامي الحالي على وفق الواقع الذي هو عليه، وبعيداً عن المؤثرات الدعائية التي ترمي إلى تشويه الصورة، ليتم تصحيح الأفكار الخاطئة المأخوذة عنه.