إن بناء الحضارة هو قرار إنساني يعتمد على الإنسان والفكر، ثم الأشياء، وبالتالي فصناعة الإنسان للحضارة - عندما تتوافر لديه الإرادة والوعي - تحتاج لثلاثة عناصر أساسية لا غنى لواحد منها عن الآخر:1- إنسان: مؤهل للقيام بالدور الحضاري المطلوب، معد نفسيًّا وأخلاقيًّا لتحمُّل المسؤولية، ويدخل في عنصر الإنسان (الزمان) باعتبار الإنسان حقيق...
قراءة الكل
إن بناء الحضارة هو قرار إنساني يعتمد على الإنسان والفكر، ثم الأشياء، وبالتالي فصناعة الإنسان للحضارة - عندما تتوافر لديه الإرادة والوعي - تحتاج لثلاثة عناصر أساسية لا غنى لواحد منها عن الآخر:1- إنسان: مؤهل للقيام بالدور الحضاري المطلوب، معد نفسيًّا وأخلاقيًّا لتحمُّل المسؤولية، ويدخل في عنصر الإنسان (الزمان) باعتبار الإنسان حقيقة زمانية، لا تنفصِّل عن الزمان، ووجوده وجود زماني بدرجة كبيرة. 2- فكر: يقود خطوات الإنسان ويُلهمه ويدفعه إلى التضحية والإيثار، وقد يسمي بعضهم هذا الفكر بالعقيدة، ويسميه آخرون بالثقافة، أو الجانب المعنوي للحضارة. 3- أشياء: يستطيع الإنسان أن يجدَ فيها المواد الخام المادية التي يبرز من خلالها فكره، وقد يسمي بعضهم هذه الأشياء بالجانب المادي في الحضارة، أو يطلق عليها بعضهم مصطلح (المدنية)، ويسميها بعضهم (بالأرض أو التراب). • وهكذا، فلا حضارة إنسانية إلا بهذه المنظومة الثلاثية:1- إنسان: (كينونة وزمان).2- وفكر: (عقيدة وثقافة).3- وأشياء: (التراب ورأس المال، وشتى العوامل المادية).وهذه المنظومة بعناصرها الثلاثة تحتاج - لكي تبقى فاعلة ومؤثرة - إلى أن تتوازن النسب بينها، ويُعطى كل عنصر قدره في المرحلة التاريخية التي تمر بها الحضارة، ولا تسقط الحضارات؛ لأنها خلو من هذه العناصر، بل إنما تسقط الحضارات عندما تطغى نسبة عنصر على عنصرٍ، فعندما يُعبد الإنسان الفرد، ويصبح هو الهدف، وتصاغ الحياة - بوسائلها وأهدافها - من أجل استمتاعه، يقع الخلل، وأيضًا عندما يطغى الفكر، ويذوب الإنسان فيه على حساب (الإنسان) أو (الأشياء)، فيترك العمل، ويصبح الفكر لمجرد الفكر، ويريد بعضهم أن يصوم فلا يُفطر، ويقوم آخر فلا ينام، ويترهبن ثالث فلا يتزوَّج، هنا يطغى تألُّق (الفكرة) وتُهدَّد الحياة بالخلل، ويجب تقويم الميزان، وتحقيق العدل بين العناصر.