هذا البحث هو محاولة متواضعة للإطلالة على بعض النظم الاجتماعية-السياسية التي حكمت نشأة الدولة الإسلامية الأولى في "يثرب"، كما عبرت عن نفسها من خلال ما عرف باسم "كتاب" المدينة أو "صحيفة" المدينة.جرى وصف "صحيفة" المدينة بـ"الدستور"، وقيل عنها إنها وضعت أول مداميك الدولة المدنية، وإنها أول تجربة إسلامية في بناء عقد اجتماعي، وأنها أخ...
قراءة الكل
هذا البحث هو محاولة متواضعة للإطلالة على بعض النظم الاجتماعية-السياسية التي حكمت نشأة الدولة الإسلامية الأولى في "يثرب"، كما عبرت عن نفسها من خلال ما عرف باسم "كتاب" المدينة أو "صحيفة" المدينة.جرى وصف "صحيفة" المدينة بـ"الدستور"، وقيل عنها إنها وضعت أول مداميك الدولة المدنية، وإنها أول تجربة إسلامية في بناء عقد اجتماعي، وأنها أخرجت العرب من القبلية والعشائرية والطائفية، وصاغت منهم مجتمعاً سياسياً حكمته جملة مفاهيم مدنية "الهجرة، المؤاخاة، الجهاد، المواطنة، الفكرة الإيديولوجية، الأمة) هي تعبيرات عن الانتظام السياسي الاجتماعي الإسلامي في الصدر الأول منه.محور العمل في هذا الكتاب إذا، هو "الصحيفة" بحد ذاتها، ومحاولة قراءتها قراءة اجتماعية سياسية معاصرة، وذلك من أجل بلورة أفكار محددة تسمح بإبراز المفاهيم الكبرى والرئيسية التي تحرك ضمن إطارها الاجتماع السياسي الإسلامي.من هنا فإن هذا العمل لا يقدم إجابات، وإنما يطرح أسئلة وإشكاليات ويشير إليها ويعالجها.وهكذا فقد تم تقسيم هذا البحث إلى قسمين (بابين): الباب الأول: توقف عند الظروف السياسية-الاجتماعية التي جرت في إطارها عملية التشكل السياسي المديني بنص "الصحيفة".. وقد قسم هذا الباب إلى فصلين:الفصل الأول: وقد تناول المدينة المنورة من حيث اسمها وموقعها الجغرافي ودورها الاقتصادي والفئات التي كانت تشكل المجتمع المديني قبل الهجرة. كما تناول القضية الأصعب والأعقد وهي قضية اليهود ووضعهم في المدينة عشية الهجرة، إذ إنه على هذا الوضع تأسست معالجة متميزة حملتها بنود "الصحيفة"أما الفصل الثاني، فقد تناول موضوع الهجرة في الجاهلية ثم في الإسلام، وما مرت بها من مراحل ذات العناوين العريضة، وطبعاً بإيجاز.وكان هدفنا من وراء ذلك الإطلالة السريعة على مسألة الانتظام السياسي الاجتماعي الأولي للمسلمين، كما عبر عنه ببيعة العقبة الأولى فالثانية، وصولاً إلى دمج الهجرة بالانتظام عبر محورية عملية الهجرة إلى المدينة.كما تناول هذا الفصل موضوع المهاجرين، فعرض لوضع الأنصار في المدينة، عشية الهجرة، وللمؤاخاة التي أمتها الرسول صلى الله عليه وسلم بين الأنصار والمهاجرين والتي شكلت حلاً مؤقتاً لم يؤسس مجتمعاً سياسياً بقدر ما حاول الانتقال من دورة العصبية القبلية إلى دورة الحياة الإسلامية المشتركة.أما الباب الثاني فهو عبارة عن قراءة في بنود "الصحيفة" وفي مفاهيمها الكبرى، وقد قسم إلى ثلاثة فصول: الفصل الأول تناول تسميتها وبعض المصادر التي ورد فيها نص "الصحيفة" وتاريخ وضعها ووحدتها،ومدى صحتها، وذلك قبل الانتقال إلى الفصل الثاني في محاولة لتحليل بنودها (وهي 47 بنداً).أما الفصل الثالث فقد ركز على إعادة نقاش مفهوم الأمة كونه المفهوم المحوري الذي انبنى عليه الاجتماع السياسي الإسلامي في "صحيفة" المدينة.