تعرض الكاتب للأبعاد المرسومة بستة فصول أولها العهد العثماني في أواخره وثانيها الإحتلال البريطاني لفلسطين وثالثها مراحل العمل السياسي الفلسطيني ورابعها الجامعة العربية وفلسطين وخامسها فترة ما بين انتهاء الحرب العالمية الثانية وقرار التقسيم وسادسها رؤية مستقبلية.وطابع الكتاب يتخلص في تقصي الحقائق والدقائق التاريخية وخلفياتها والرج...
قراءة الكل
تعرض الكاتب للأبعاد المرسومة بستة فصول أولها العهد العثماني في أواخره وثانيها الإحتلال البريطاني لفلسطين وثالثها مراحل العمل السياسي الفلسطيني ورابعها الجامعة العربية وفلسطين وخامسها فترة ما بين انتهاء الحرب العالمية الثانية وقرار التقسيم وسادسها رؤية مستقبلية.وطابع الكتاب يتخلص في تقصي الحقائق والدقائق التاريخية وخلفياتها والرجوع إلى الماضي لفهم الحاضر والاعتماد على النقد الذاتي بدلاً من توجيه الاتهامات وندب الحظ فهو يقول في المقدمة: "يتحتم علينا أن نعود إلى المربع الأول لنبدأ رحلة سليمة واضحة المعالم والاتجاه آخذين بعين الاعتبار بأن المسيرة محفوفة بالأخطار حيث أن عالمنا العربي مستهدف ومهدد من قبل الطامعين الغربيين والموالين لهم".وفي مكان آخر من الكتاب "فقيام دولة إسرائيل واحتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة وما تعداها من البلدان المجاورة بعد هزيمة سبعة وستين النكراء لم يكن من باب الصدفة التاريخية بل نتيجة حتمية لمخططات مدروسة وإصرار في العزيمة يقابلها الخذلان والتقاعس العربي بالشكل المفضوح المعهود"، وهذا في رأيي ما يجلهه أو يتجاهله الكثيرون إما عن تراكم الأحداث التاريخية الهائل حتى يومنا هذا أو عن التسليم بالأمر الواقع مع ترك المربع الأول للمتاحف وكتب التاريخ. وهذا ليس خطأ سياسي واجتماعي فحسب بل هو بذخ وإسراف ونحن بأمس الحاجة إلى بناء شخصية قوية لهذه الأمة وكل ما يسند ذلك وأهمها هو التمسك بحقوقنا التي دوست بأقدام الصهاينة وحلفائهم.وبعد تفسخ وانهيار الدولة العثمانية جاءت معاهدة سايكس بيكو لتشطير العالم العربي وفي خلال بدء الانحلال للدولة العثمانية وتراكم الديون عليها كان لتأثير رأس المال اليهودي عن طريق المصارف والقروض دوراً في السيطرة وشراء الأراضي في فلسطين ووراء ذلك الحركة الصهيونية وكانت هذه الأراضي تعلن بأنها "ملك للشعب اليهودي وغير قابلة للبيع أو التحويل ولا يمكن لغير اليهود أن يوظفوا عليها" ولا أدري أي قوانين توجد في العالم مثل هذه.وقد ركبت الحركة الصهيونية على موجة اللاسامية في أوروبا وكان دعمها أولاً لليهود الغربيين واستطاع وايزمان في بريطانيا بالتوغل في المجتمع السياسي البريطاني والحصول على وعد بلفور ويقول المؤلف أن الصيغة النهائية تعزى إلى الحاخام الأمريكي ستيفن وايز وكان الألمان أيضاً يريدون استمالة الصهاينة من أصحاب النفوذ لإبقاء أمريكا على الحياد بعكس ما أراد البريطانيون. وأعطى البريطانيون وعداً كاذباً للعرب عن طريق ماكماهون لمساعدتهم في الحرب ضد تركيا.إذن كانت هناك خلفيات وضروريات ومصالح أملتها حتميات الحرب العالمية الأولى والتي كان ضحيتها الفلسطينيون والعرب.ويصف الكاتب المنافسة بين العائلات الفلسطينية العريقة امتداداً من العهد العثماني واستغلال بريطانيا لها، ولكنه يقول في آخر الفصل: "بالرغم من الانشقاق والاختلافات فقد بقي الجوّ نقياً صافياً لم تشوبه الاغتيالات السياسية الدنيئة التي شهدتها البلاد عامي 1938 و1939".وفي الفصل الثالث يتحدث المؤلف بإسهاب عن صعوبات توحيد القيادات الفلسطينية في الفترة الحاسمة من تاريخ الشعب الفلسطيني ويكشف بصراحة لا هوادة فيها عن دور بعض الشخصيات للانفراد بالسلطة وبالخصوص المفتي أمين الحسيني وكيف وصل إلى السلطة ودوره في مؤتمر لندن، ثم عن الثورة الفلسطينية والإضراب الفلسطيني العام لمدة ستة أشهر في عام 1936 وصدور الكتاب الأبيض بعد ذلك الذي أوصى بتقسيم فلسطين وإعطاء اليهود 30% بينما كانوا في الواقع يمتلكون 5.6% وضم باقي فلسطين إلى شرق الأردن وقد رفض الفلسطينيون والصهاينة هذا الكتاب واندفعت بعد ذلك ثورات وانفلات أمني واغتيالات سياسية حتى صدور 1939 كتاب أبيض ثاني يعتقد المؤلف أنه كان بصالح الفلسطينيين لأنه حدد الهجرة اليهودية وأوصى بقيام دولة فلسطينية ولكنه نال الرفض من المفتي وأيضاً من الصهاينة.ثم انشغل العالم بالحرب العالمية الثانية وأدركت الصهيونية أن بصالحها تحويل مركز اعتمادها من بريطانيا إلى الولايات المتحدة ودخلت مرحلة جديدة بعد مؤتمر بالتيمور في سنة 1942 بقيادة بن غوريون وجابوتنسكي والتوجه إلى قيام دولة إسرائيلية وعسكرة الإستراتيجية الصهيونية.ويرى المؤلف أن عنصر "الاحتواء" كان غائباً في قاموس الدبلوماسية العربية كما كانت عناصر المواجهة مع استخفاف واستهزاء القادة بقدرات القوى الصهيونية. "فالمصداقية والصراحة والشفافية عناصر مهمة في تكوين خُلق الإنسان وينبغي على الإنسان العربي أن يتحلى بها ليقاوم الآفات والشوائب التي يعاني منها ليومنا هذا".ويميز المؤلف بين موقف حكومة العمال في بريطانيا التي كانت "أرحم" على العرب من حكومة المحافظين ويلفت النظر بخصوص الأمم المتحدة بأن العرب يعملون لها أهمية لا تستحقها فقراراتها وتوصياتها عاجزة كلياً عن حل أي صراع قومي أو مصيري، بل إن حسم كل صراع يتوقف أولاً وأخيراً على مدى ما يملكه الطرف الراغب في الحسم من إرادة وعزم وتنظيم.وفي نهاية الكتاب في "رؤية مستقبلية" يرى المؤلف نماذج للعالم العربي في الاتحاد الأوروبي والهند كأمثلة حية في جمع الصف والوحدة الوطنية لرخاء الجميع. كما على العرب أن يفرقوا بين "التحديث" و"التغريب" أي التقدم التقني دون المساس بالثوابت التقليدية والمألوفة. ورؤيته لضمّ الصف العربي في الوطن العربي الواسع البدء أولاً بالتقارب الجغرافي، مثل دول "الهلال الخصيب"، دول الخليج، مصر والسودان والمغرب العربي. "رافضين فكرة الهيمنة السياسية من قبل فريق على فريق آخر".وبينما تبقى المسألة الفلسطينية عالقة فقد حققت الصهيونية أهدافها والمزيد ولكن اللاسامية كامنة في شتى أنحاء المعمورة وحلّها رهين بحلّ القضية الفلسطينية و"استرضاء العرب عامة" فالكرة في الملعب الإسرائيلي ويجب مخاطبتها بهذا الشأن على كافة المستويات لإيجاد حل وسط لن يكون مشرفاً أو عادلاً حول مستقبل البلاد وإلا فسوف نبقى في دوامة يستعصي حلها وسوف تتطور تداعياتها سوءاً مع تطور الزمن.وفي الملحق رقم 3 مقال والتر ستايس 1947 قبل قرار التقسيم يعلق عليه المؤلف أهمية كبيرة حيث يفند أستاذ الفلسفة في جامعة برنتسون الحجج الصهيونية جملةً وتفصيلاً ويقف إلى جانب قضية الفلسطينيين العادلة. وهو مقال جدير بالقرءاة والتمعن.الدكتور حنا حايك