أوضح أن فكرتي القائمة على أن "الحداثة أخت التسامح" لا تعني بحال أن الحداثة -عندي- نفي للصراع ودعوة إلى الاندياح والتطامن والمسالمة، ولكنها إعلاء لتقاليد "الصراع" وأصوله الإنسانية المبدئية النزيهة. هذه التقاليد التي تعني الإيمان العميق بالتعدد، وبعدم امتلاك طرف من أطراف الصراع "الحقيقة المطلقة" وحده. وهو الإيمان الذي ينطلق من أن ...
قراءة الكل
أوضح أن فكرتي القائمة على أن "الحداثة أخت التسامح" لا تعني بحال أن الحداثة -عندي- نفي للصراع ودعوة إلى الاندياح والتطامن والمسالمة، ولكنها إعلاء لتقاليد "الصراع" وأصوله الإنسانية المبدئية النزيهة. هذه التقاليد التي تعني الإيمان العميق بالتعدد، وبعدم امتلاك طرف من أطراف الصراع "الحقيقة المطلقة" وحده. وهو الإيمان الذي ينطلق من أن "قبول الآخر" هو قبول "للذات"، مثلما أن نفيه هو نفي لها، في آن.الحداثة إذن صراع لكنه صراع ينهض على إدراك التنوع، ويتناقض جوهرها مع مبدأ "الكل في واحد". وأود أن ألفت الانتباه إلى أن هذا المفهوم الواسع، المتعدد، للحداثة هو ما حكم اختياراتي للشعراء المدروسين، حتى لو لم تنطبق المدرسة الفنية لأحدهم مع ذائقتي الجمالية أو تفضيلاتي الشعرية.كما أنوه إلى أنني حرصت على ألا أستغرق في مضاهاة تعليمية مباشرة بين القيم التي يدافع عنها الشعر العربي الحديث وبين القيم التي تدافع عنها حركة حقوق الإنسان العالمية والعربية.ويرجع هذا الحرص، أولاً إلى رغبتي في النأي عن الطابع التقريري التوجيهي المنفر. كما يرجع، ثانياً، إلى إيماني الراسخ بأن الشعر في ذاته وفي موضوعه هو نشيد حار متواصل من أجل حقوق الإنسان: جسداً وروحاً، فرداً وجماعة. كما يرجع أخيراً، إلي محاولتي تفادي الكلام المطنب -قدر ما أستطيع- عن "مضامين" الشعر (أي: حقوق الإنسان فيه)، لا سيما أنني كنت -وما زلت- من خصوم شرح مضامين الشعر، إيماناً مني بأن الوصول إلي "ما" يقول الشعر لا سبيل له سوى كشف "كيف" يقول ما يقول، بطرائق فنية.وعلي ذلك، فقد آثرت ألا يكون الكتاب خلوا من النظر النقدي للتشكيل الجمالي في الشعر: لأن ذلك هو المدخل الصحيح في رأيي من جهة، ولأن القارئ من "حقه" أن يستقبل في الكتاب رؤى نقدية تعينه على التفاعل مع الشعر المدروس أو غيره، لا أن يستقبل وصايا مدرسية، من جهة ثانية.ولأنني شاعر لا باحث أكاديمي متخصص، فقد ملت في بعض المواضع إلى عرض صلتي الشخصية ببعض النصوص أو ببعض الشعراء. فيما يشبه الشهادة الذاتية على الشعر أو النص. لقد رأيت ذلك أحياناً أكثر حميمية من الخطاب الموضعي الصلد، خاصة إذا كنا نتحدث عن كائن حميم هو الشعر، وإذا كنت ضالعاً متورطاً من الداخل، لا مجرد شاهد محايد من الخارج.وغني عن التنويه -أخيراً- أنني لم أختر كل الشعراء، ولم أرصد كل الشعر، فهذا عبء ينوء به فرد واحد، ويضيق عنه كتاب واحد.وبالتالي فقد اخترت من الشعراء كل من بدر شاكر السياب، أدونيس، عبد الوهاب البياتي، أحمد عبد المعطي حجازي، سعدي يوسف، صلاح عبد الصبور، محمود درويش، توفيق زياد، نازك الملائكة، ملك عبد العزيز، محمد عفيفي مطر، أمل دنقل، حسن طلب، علي قنديل، فريد أبو سعدة، عالية شعيب، كريم عبد السلام، عماد أبو صالح.