حمل صعود التيار الإسلامي في أعقاب تراجع المشروع القومي العربي، منذ نكسة العام 1967 تطلعات واسعة وشكوكاً مستمرة في إمكانية تشكيل هذا التيار بديلاً فكرياً وسياسياً وشعبياً للتيارات الأخرى التي انخرطت في إدارة الصراع المجتمعي داخل البلدان العربية. ذلك أن واقع المجتمعات العربية والتحديات التي تواجهها على عتبة القرن الحادي والعشرين م...
قراءة الكل
حمل صعود التيار الإسلامي في أعقاب تراجع المشروع القومي العربي، منذ نكسة العام 1967 تطلعات واسعة وشكوكاً مستمرة في إمكانية تشكيل هذا التيار بديلاً فكرياً وسياسياً وشعبياً للتيارات الأخرى التي انخرطت في إدارة الصراع المجتمعي داخل البلدان العربية. ذلك أن واقع المجتمعات العربية والتحديات التي تواجهها على عتبة القرن الحادي والعشرين من جهة، والخطاب الذي تقدمه الحركات المنضوية تحت التيار الإسلامي، بما يتضمن من تصورات للحياة والحكم والمجتمع والعلاقة بالآخر، أو ما مورس باسم الإسلام في السياسة والسلطة في العالم العربي من جهة أخرى؛ عمّق الشكوك في مدى نجاح هذا البديل المحتمل، أو حتى في تأديته إلى نموذج فعّال وقابل للعيش والتطور. ففي ظل انهيار العديد من الأنظمة الشمولية، وسريان أيديولوجية "نهاية الأيديولوجيا" و"الديموقراطية" و"حقوق الإنسان"، و"الأقليات"، وتكنف مسار "العولمة" الاقتصادية والمالية والثقافية وتغيّر دلالات مفاهيم مثل "السيادة" و"التدخل الدولي" و"المواطنة" وتداخل مفاهيم أخرى كالقومية والوطنية مع بعضها أو مع الأمداء الأوسع إقليمياً وقارباً ودولياً، واختراق "ثورة الاتصالات والمعلوماتية" الخصوصيات الوطنية والهويات الثقافية المحلية، يغدو الخطاب الفارق في مفاهيم ورؤى وتجارب تاريخية تعود إلى ما قبل القرن السادس عشر الميلادي خطاباً متقادماً، غير فعّال، لا يستطيع مغادرة ثنائياته كـ" دار الإسلام/"دار الحرب"، "المجتمع الإسلامي"/"المجتمع الجاهلي"، مؤمن/كافر، أو تعميماته كـ"الإسلام هو الحل" و"تطبيق الشريعة" في عصر انفتحا العلوم والمعارف بعضها على بعض ولها احتمالات لا حصر لها. بكلام آخر يصبح خطاباً عفا عليه الزمن لا يمكنه محاكاة حاجات مجتمعه أو حلّ مشاكله إنما علامة واحدة من علامات عجز المجتمع العربي. إزاء ذلك انبرى بعض أقطاب التيار الإسلامي لمواجهة هذا الوضع بالقول أن المشكلة ليست في الدين الإسلامي، فهو قادر على التأقلم مع المستجدات التاريخية في المجتمع وتأمين حلول "إسلامية" لها، إنما المشكلة في فهم وتطبيق المسلمين لدينهم، وهو ما دفع هذا البعض إلى تقديم خطاب جديد ولغة جديدة عن الإسلام، بصور تتناسب مع العصر ومشكلات مجتمعاتهم وأطلقوا على محاولتهم هذا مصطلح "التجديد". غير أن أزمة الخطاب التي يعاني منها الإسلاميون التي دفعتهم إلى القول بالتجديد تأتي بدورها في سياق أزمة عميقة تواجهها المجتمعات العربية متعلق بثلاث قضايا رئيسية هي: المساواة والمشاركة والهوية. ولعل التحدي الكبير الذي يواجه التيار الإسلامي التجديدي كما يسمي نفسه هو: كيف سيحل أو يحسم المسائل المتعلقة بالقضايا الثلاث المذكورة بما لا يزيد الخل في "المدى السياسي العام"، بل ينحو نحو المأسسة والاستقرار. وثمة رهانات متفاوتة من داخل التيار الإسلامي أو من خارجه على إمكانية حصول تطوير من داخل التراث الإسلامي عبر تقديم خطاب تجديد ينطلق مما اعتبر مرونة وواقعية الدين الإسلامي، ويتفق مع المتطلبات المعاصرة للمجتمعات العربية، بما يساهم في تقديم حلول قابلة للحياة بشأن القضايا المذكورة.إن أي محاولة بحثية لاكتشاف مدى قدرة هذا الخطاب على تلبية الرهانات المعلقة عليه لا بد أن تتناول ما يقدمه حول الموضوعات المنبثقة عن القضايا الثلاث (أي المساواة والمشاركة والهوية)، وهي الحرية الفكرية، العلمانية، المجتمع المدني، حرية النساء والديموقراطية، كمفاهيم تطبيقية لهذه القضايا. وهو ما اختار الباحث تناوله وطرحه على بساط البحث في هذا الكتاب وذلك تحت عنوان: "إشكاليات التجديد في الخطاب العربي الإسلامي" وذلك من خلال دراسة مقارنة. وتجدر الإشارة بأن الكتاب هو في الأصل أطروحة أعدت من قبل الباحث لنيل شهادة الدكتوراة اللبنانية في العلوم الاجتماعية (علم اجتماع المعرفة)، في محاولة لتقديم مقاربة مختلفة للخطاب الإسلامي.