إن صدق التعابير الحقيقية في الأداءات المقامية وفي الجو التراثي التاريخي، الذي من الممكن معايشته مرة أخرى في التسجيلات المقامية الأولى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، تعتمد على الطابع الغنائي الشعبي في فنون المؤدين المقاميين، الذي جوبه بشعبية كبيرة في الأوساط الجماهيرية.ويمكن القول بأن هذه التسجيلات الغنائية للمقامات...
قراءة الكل
إن صدق التعابير الحقيقية في الأداءات المقامية وفي الجو التراثي التاريخي، الذي من الممكن معايشته مرة أخرى في التسجيلات المقامية الأولى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، تعتمد على الطابع الغنائي الشعبي في فنون المؤدين المقاميين، الذي جوبه بشعبية كبيرة في الأوساط الجماهيرية.ويمكن القول بأن هذه التسجيلات الغنائية للمقامات العراقية، أشاعت في تعابيرها الصادقة، الرضى والقبول، لأنها استطاعت التعبير عن هموم ومعاناة ومشاكل الشعب العراقي بصورة واسعة ومثيرة، عندما بدأ الناس الإستماع لأول مرة عن طريق الأجهزة الصوتية المبتكرة حديثاً في تلك الآونة، ثم ليجري توسيعها بمرور الزمن عبر التوسع الصناعي والتكنولوجي إلى يومنا هذا.ويمكن القول أن معاصري المطرب أحمد الزيدان ووارثوه المهمين من أتباع طريقته الغنائية استطاعوا إدراك أن أحمد الزيدان وتابعيه من المغنين المقاميين، إنما يصورون القضايا التاريخية والتقاليد الأصولية في غناء المقام العراقي، بوصفها حياة الناس، وهم ومن خلال تعابيرهم الغناسيقية يوضحون كل التأثيرات والتغيرات والتطورات التاريخية في الحياة اليومية...وهكذا فإن الطابع الشعبي لفن أحمد الزيدان وأتباع طريقته الغنائية، لا ينحصر فقط في تصوير هموم ومشاكل الطبقة الفقيرة فحسب، بل يتعدى ذلك إلى تصوير نبض الحياة الوطنية، وطبقات المجتمع وفئاته الإجتماعية والثقافية في تفاعلاتها المعقدة الدينية والدنيوية.من هنا، يأتي هذا الكتاب الذي يحاول المؤلف من خلاله إلقاء الضوء على صاحب هذا الفن الغنائي، المطرب المقامي الكبير أحمد الزيدان، مؤسس الطريقة الزيدانية، وقد اختار المؤلف الأعظمي إصدار هذا الكتاب في هذا الوقت الذي يصادف الذكرى المئوية لوفاة هذا المطرب الكبير (1832- 1912)؛ وإلى هذا، فإن هذا الكتاب يعتبر سجلاً حافلاً ليس لتاريخ هذا المطرب المقامي الكبير، ولغناء المقام العراقي من الناحية الزمنية فحسب، بل أن المؤلف يتناول في بحثه وإستقصائه الجوانب الرائدة التي لم يسبقه إليها أحد، وهي جوانب فلسفية، وأخرى في علم النفس، وغيرها من المدارس الأخرى التي أتيحت له فرصة الإطلاع عليها خلال دراساته الواسعة في المجالات السوسيولوجية والميثولوجية والأنثولوجية والأنثروبولوجية بما لها علاقة في هذا الفن المقامي ما يدل على ثقافة المؤلف الواسعة، إذ يجده القارئ ويغوص في تحليلاته الفكرية، وفي أعماق فلسفية ونفسية وإجتماعية خلال بحوثه، وذلك ليربطها بالأداء المقامي... فيرجع هذا الفن - الأداء المقامي - في حقبة القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلى ظروف الحقبة الزمنية التي أضفت على الفن حالة من الفزع والقلق والإضطراب، التي اتسمت بها هذه الحقبة ولم تكن، وبرأي المؤلف، بمثابة ردود فعل تمتلك صفة الحركة الفنية الثائرة، لكنها أتت كبدايات لثورة عارمة في كل شؤون الحياة، بمعنى أن المؤلف ينفي تقريباً وجود ثورة عقلية واسعة، منظمة ومقننة...ويمكن القول بأن ما حاول المؤلف توضيحه ومن خلال حديثه عن المستوى الغنائي الرفيع الذي وصلت إليه الطريقة الزيدانية في المقام العراقي بأن الهدف الفني لكل المغنين المقاميين، بشتى إنتماءاتهم الأسلوبية في الغناء المقامي هو إظهار قدرة الإنسان العراقي على التفاؤل وإشاعة الأمل في متسع الحياة، بعيداً عن الخيبة واليأس والهروب، التي خلفتها الأحداث المأساوية للمجتمع العراقي عبر أحداثه التاريخية المأساوية.