احتلت هيئة الأسرار التي تتولى فكّ الرموز السرية في أميركا برمتها في أواخر حزيران/يونيو 1930، أفراداً ومعدات وسجلات، مكاناً قصيّاً مريحاً في قبو مساحته 25 قدماً مربعاً. في المجاز المتجه جنوباً من طريق بالتيمور-واشنطن العريض المزدان بالأشجار، قرب قرية أنا بوليس جنكشن الوادعة في ولاية ميريلاند، يتوارى عن الأنظار بسرعة منحدر خروج مق...
قراءة الكل
احتلت هيئة الأسرار التي تتولى فكّ الرموز السرية في أميركا برمتها في أواخر حزيران/يونيو 1930، أفراداً ومعدات وسجلات، مكاناً قصيّاً مريحاً في قبو مساحته 25 قدماً مربعاً. في المجاز المتجه جنوباً من طريق بالتيمور-واشنطن العريض المزدان بالأشجار، قرب قرية أنا بوليس جنكشن الوادعة في ولاية ميريلاند، يتوارى عن الأنظار بسرعة منحدر خروج مقيد مشيد خصيصاً. يقود المنحنى، الذي تخفيه عن الأنظار مجازات ضيقة وأشجار كثيفة، إلى متاهة من السياجات ذات الأسلاك الشائكة ووضعت كتل صخرية ضخمة قريبة من بعضها وكاشفات الحركة والأجهزة الهيدروليكية المضادة للشاحنات وحواجز إسمنتية.وأثناء فترات الإنذار يستجيب بسرعة رجال القوات الخاصة مرتدين الزي شبه العسكري الأسود ويضعون لباس الرأس الخاص ويشهرون مجموعة متنوعة من الأسلحة منها رشاشات كولت 9 ملم. يعرف هؤلاء باسم "رجال الزي الأسود" وتتابع آلات التصوير استطلاع الوضع عن بعد ويقدم رجال شرطة مسلحون بأعمال الدورية على التخوم وتحذر علامات صفر براقة من التقاط أي صور أو تدوين أو رسم بسيط. ويعاقب المخالف بموجب قانون الأمن الداخلي. إن ما يوجد خلف ذلك مدينة غريبة وغير مرئية لا تشبه أية مدينة أخرى في العالم. إنها تضمّ ربما أكبر هيئة أسرار تمّ إنشاؤها على الإطلاق.هذه كانت صورة مدينة هيئة الأسرار في عام 1930. واليوم وبعد واحد وسبعين عاماً هيئة الأسرار تلك الأرض الحرام من الفولاذ والإسمنت في الخلف مكان مظلم وغامض ومجهول حقاً لدى العالم الخارجي، إنه يتكون من أكثر من ستين بناية: مكاتب ومخازن ومصانع ومختبرات وحي سكني. إنه مكان يعمل فيه عشرات آلاف الناس بسرية مطلقة. وسيعيش معظمهم ويموت بدون أن يروي للزوجات ما يقوم به بالضبط.وبحلول فجر عام 2001 أصبحت قاعة من قاعات هيئة الأسرار التي يطلق عليها اسم "القاعة السوداء". أصبحت تلك القاعة إمبراطورية سوداء وموطناً لوكالة الأمن القومي، وهي أكبر مؤسسة تجسسية سرية وتقدماً في العالم، يعرفها البعض باسم "مدينة الرموز السرية" Cryptocity وهي موطن أكبر مجموعة من الحواسيب فائقة القوة والاختصاصين المتقدمين في الرياضيات وخبراء اللغة في العالم. ويقاس الوقت ضمن إطار السياج بالفيمتوثانية-جزء من مليون بليون من الثانية-ويعمل العلماء سراً لتطوير حواسيب قادرة على أداء أكثر من سبتليون (1000,000,000,000,000,000,000,000) عملية كل ثانية.طوال معظم النصف الأخير من القرن العشرين كان لذلك النمو المتواصل هدف واحد هو اختراق نظام الشيفرة الروسية العنيدة واستراق السمع إلى الاتصالات الأكثر سرية لتلك الدولة. غير أنه قبل زمن طويل من انتقال محللي الشيفرات إلى مختبرات الحواسيب الإلكترونية المعمقة والقاعات النظيفة والغرف غير الصدوية anechoic chambers، قادهم سعيهم إلى حلّ ذلك اللغز المطلق إلى قاع البحيرات المظلمة وعبر المستنقعات الطينية في بدء الحرب الباردة الجديدة.هكذا يسلط جيمس بامفورد الضوء على تلك المدينة التي هي غابة أسرار واصفاً وكالة الأمن القومي التي تحتل جزءها الأهمّ تحت المجهر في محاولة لاستقراء أبعاد عملياتها التي هي عملية انتقال من الحرب الباردة إلى فجر قرن جديد.عندما كانت "ليبرتي" على مرمى البصر من العريش تتنصت على الاتصالات، حوّل الجنود الإسرائيليون المدينة إلى مجزرة، وقتلوا أسراهم على نحو منتظم. وفي ظلّ مئذنة مسجد العريش، صفّوا حوالي ستين مصرياً وقيّدوا أيديهم وراء ظهورهم ثم أطلقوا عليهم النار بالمدافع الرشاشة حتى تحوّل رمل الصحراء الباهت إلى اللون الأحمر..."ثمة سؤال ملحّ يتعلّق بحادث ليبرتي: هل كانت القوّات الإسرائيلية التي هاجمت السفينة تعف أو لا تعرف أنها أميركيّة... إن أفراد طاقم ليبرتي والعاملين... مقتنعون بأنها كانت تعرف أن السفينة أميركيّة. وقد استمدوا قناعاتهم من عامل الزمن الطويل لدى الإسرائيليين في مراقبة السفينة قبل الهجوم نفسه".تباين التخمين في تحديد الدافع الإسرائيلي. واعتقد البعض أن إسرائيل توقعت أن التدمير التام للسفينة وقتل الأفراد سيؤدي بالولايات المتحدة إلى اتّهام الجمهورية العربيّة المتحدة (مصر) بارتكاب الحادث واشتراك الولايات المتحدة في الحرب بجانب إسرائيل... وشعر آخرون أن القوات الإسرائيلية أرادت إبعاد السفينة ورجالها عن الطريق... لأنهما شكّوا أنها تراقب نشاطاتهم.