يقول جوزيف إ.ستيغلينز، حامل جائزة نوبل للاقتصاد، ومؤلف هذا الكتاب، بأنه في سنة 1993 غادر الجامعة وذلك بعد أن كان قد مارس التعليم والبحث فيها سنيناً عديدة للانضمام إلى لجنة المستشارين الاقتصاديين للرئيس بيل كلينتون، وهي لجنة مؤلفة من ثلاثة خبراء يعينهم الرئيس لتقديم المشورة في الحقل الاقتصادي إلى مؤسسات السلطة التنفيذية الأميركية...
قراءة الكل
يقول جوزيف إ.ستيغلينز، حامل جائزة نوبل للاقتصاد، ومؤلف هذا الكتاب، بأنه في سنة 1993 غادر الجامعة وذلك بعد أن كان قد مارس التعليم والبحث فيها سنيناً عديدة للانضمام إلى لجنة المستشارين الاقتصاديين للرئيس بيل كلينتون، وهي لجنة مؤلفة من ثلاثة خبراء يعينهم الرئيس لتقديم المشورة في الحقل الاقتصادي إلى مؤسسات السلطة التنفيذية الأميركية. وفي سنة 1997 دخل ستيغليتز البنك الدولي حيث شغل منصب النائب الأول للرئيس ورئيس الاقتصاديين لمدة ثلاث سنوات تقريباً، ويقول هنا بأنه ما كان بإمكانه اختيار حقبة أكثر سحراً في عالم الاقتصاد من تلك الحقبة، فالسنوات السبع التي أمضاها في واشنطن هيأت له وضعاً مؤاتياً للغاية كي يرصد التحول في روسيا والأزمة المالية التي انطلقت من آسيا الشرقية سنة 1997، لتمتد بعدها إلى العالم كله.وقد كان دائم الاهتمام بالتنمية الاقتصادية، وأن ما شاهده غيّر أفكاره بصورة جذرية حول الموضوع، وحول العولمة. ويذكر بأن تأليفه لكتابه هذا هو نتيجة معاينته بصورة مباشرة، يوم كان في البنك الدولي، الأثر الماحق الذي يمكن أن تتركه العولمة في البلدان النامية، وبالدرجة الأولى سكانها الفقراء، فإن الألم الذي أصاب البلدان النامية في سيرورة العولمة على النحو الذي أدارها به صندوق النقد الدولي (ص.ن.د) وسائر المؤسسات الاقتصادية الدولي، وكان أشد بكثير من اللازم.إن الصدمة الارتدادية ضد العولمة تستمد قوتها من إدراك ظاهرتين: الأضرار الجسيمة التي أحدثتها في هذه البلدان سياسات مستوحاة من الأيديولوجيا، وكذلك مظالم نظام التجارة العالمي، أن قليلاً من الناس، ما عدا أولئك المستفيدين شخصياً من نبذ منتجات البلدان الفقيرة، يدافع عن هذا النفاق: يزعمون أنهم يساعدون البلدان النامية فيما هم يجبرونها على فتح أسواقها أمام منتجات البلدان الصناعية المتقدمة، التي تستمر من جهتها في حماية أسواقها هي. ومن شن هذه السياسات أن تجعل الأغنياء أكثر غنى والفقراء أكثر فقراً، وأشدّ غيظاً؛ لذا فإن الأزمة المالية العالمية التي نتجت عن هذه العولمة، بالإضافة إلى المناقشات حول إصلاح هندسة الاقتصاد الدولي، لأجل جعل العولمة أكثر إنسانية وفاعلية وإنصافاً، قد احتلت قسماً كبيراً من اهتمامات جوزيف ستيغليتز. ونتيجة لذلك قام بزيارات لعشرات من بلدان العالم، وتحدث مع آلاف الأشخاص، مسؤولين كبار، وزراء مال، حكام مصارف مركزية، جامعيين، طلبة، مناضلين سياسيين، فلاحين... وباختصار شاهد ستيغليتز سيرورة الاقتصاد العالمي في أنحاء العالم، وذلك من خلال تجارب الدول الفقيرة والغنية، وها هو ذا يودع كتابه هذا زبدة ما شاهد وما وما فهم.إذن، فكتابه هذا "خيبات العولمة" يرتكز على تجاربه الحية، يصف من خلاله الأحداث التي شهدها ناقلاً للقارئ ما سمع من تجارب الآخرين في المجال الاقتصادي التنموي. وأمله أن يفتح كتابه نقاشاً، ليس نقاشاً فقط، داخل الحكومة، المؤسسات الدولية، ولا حتى في إطار الجامعات الأكثر انفتاحاً، فالمشاركة في هذه النقاش حق لكل أولئك الذين سيشعرون في حياتهم بتأثيرات القرارات التي ستتخذ حول العولمة، فلهؤلاء الحق أن يعرفوا كيف اتخذت هذه القرارات حتى الآن، وهذا الكتب سيقوم، على الأقل، مزيداً من المعلومات عن أحداث السنوات العشر المنصرمة في الحقل الاقتصادي التنموي وعن الآثار السيئة للعولمة، ليكون بالإمكان تبني سياسات اقتصادية تنموية أفضل تؤدي بدورها إلى نتائج أفضل.