الحمد لله حق حمده، والشكر له على توفيقه ومَنِّه، وصلى الله وسلم وبارك على حبيبنا ونبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:فإن مما نَدين لله - عز وجل - به الإيمان بعذاب القبر أو البرزخ، والتصديق به، وأن هذه الأمة - كغيرها - تفتن في قبورها، وتسأل، وهذه إحدى العقائد الإيمانية، والأصول السلفية التي نص عليها كتاب ربنا - عز و...
قراءة الكل
الحمد لله حق حمده، والشكر له على توفيقه ومَنِّه، وصلى الله وسلم وبارك على حبيبنا ونبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:فإن مما نَدين لله - عز وجل - به الإيمان بعذاب القبر أو البرزخ، والتصديق به، وأن هذه الأمة - كغيرها - تفتن في قبورها، وتسأل، وهذه إحدى العقائد الإيمانية، والأصول السلفية التي نص عليها كتاب ربنا - عز وجل - وسنة رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم، وتناقلها وقررها علماؤنا، وذكرها فقهاؤُنا - رحمهم الله جميعًا - وتتابعت كتبُ العقائد والحديث على ذِكرها، وحتى غيرها من كتب العلماء، فقلما تجد كتابًا منها إلا وترى ذكر ذلك، والتنصيص عليه، أو التأكيد والإشارة إليه، أو التدليل والاستدلال ل، بل إنه لما كان لهذا الأمر منزلة عظيمة في ديننا، فهو أحد الأصول العقدية، ولكثرة من تكلم فيه بالباطل تارة، وإلقاء الشُّبه عليه تارة أخرى، عمد جملة من المحققين لتصنيف جملة من المصنفات المستقلة فيه. هذا، والأدلة عليه لا تكاد تحصر من الوحيين الشريفين، القرآن الكريم، والسنة النبوية، وهي - أي: أدلة عذاب القبر ونعيمه من السنة - تؤصل وتفسر ما ورد في القرآن، ولكثرتها نص علماؤنا - رحمهم الله - على تواترها، وأطبقوا وأجمعوا على وجوب الإيمان بأن القبر والبرزخ يكون فيه عذاب، ويكون فيه نعيم للإنسان المكلف على ما يحكم الله - عز وجل - به عليه، لا يختلفون في هذا، ومَن فارَقهم فيه نابذوه وأبغضوه، وبدعوه وهجروه، على تفاصيل في ذلك وضوابط لهم، ليس هذا محل ذكرها. كما عدوا رحمهم الله كلَّ مَن خالف هذا الأصل - الذي هو أحد الأصول المتفق عليها بين أهل السنة والجماعة - من أهل البدع، كالجهمية وبعض المعتزلة، ومن وافقهم من الشيعة، والخوارج، والفلاسفة، ومن تمذهب بمذهبهم من الإسلاميين، وهكذا أهل الكلام، وبعض الملاحدة الضلال، ولقد تشعبت - أعني أهل البدع - بهم الطرق في إنكاره وردِّه؛ وذلك لتأولهم لما جاء في القرآن الكريم مما يدل على عذاب القبر أو نعيمه من جهة، وعدم إيمانهم بدلالة السنة على ذلك من جهة أخرى، وقد كفانا علماؤنا من كل قرن وفي هذا الفن مؤنة الرد عليهم، والحمد لله رب العالمين. ولما كان الأمر كذلك، عزمت مستعينًا بالله أن أجمع كل ما ورد وذكر مما صح سنده، ووقفت عليه، مما يصح أن يكون سببًا للنجاة من عذاب القبر، والفوز بنعيمه، وهو يدل دلالة أكيدة على صحة وثبوت عذاب القبر، وذكرت كذلك معه كل ما كان سببًا في عذاب القبر؛ ذلك أنه باجتنابه والبعد عنه، يصح أن يكون من الأسباب المنجية من عذاب القبر أو البرزخ، كما هو بين وظاهر، فتأمل. ولم أراعِ في سرد ذلك ترتيًا معينًا، إنما هو بحسب ما تيسر، والحمد لله أولًا وآخرًا.