أقدم هذا الكتاب – المشير وأنا – بعد خمسة وعشرين عاما من وفاته , وخلال هذا الربع قرن , تحملت من الضيق فوق ما يتحمل البشر , وأنا أتابع عبر السنين , ما يشاع وينشر من افتراءات ضد عبد الحكيم عامر , فإن الأجهزة السرية والتنظيمات التي تعقبته حيا , واصلته تعقبها له ميتا... وكأن قادة هذه الأجهزة , لم يكفهم ما انزلوه بالشعب المصري من هزائ...
أقدم هذا الكتاب – المشير وأنا – بعد خمسة وعشرين عاما من وفاته , وخلال هذا الربع قرن , تحملت من الضيق فوق ما يتحمل البشر , وأنا أتابع عبر السنين , ما يشاع وينشر من افتراءات ضد عبد الحكيم عامر , فإن الأجهزة السرية والتنظيمات التي تعقبته حيا , واصلته تعقبها له ميتا... وكأن قادة هذه الأجهزة , لم يكفهم ما انزلوه بالشعب المصري من هزائم , ممثلة فى هزيمة 5 يونيو سنة 1967 , فواصلوا حملتهم عن طريق جيش تابع لهم من الإعلاميين , والصحفيين والكتاب وهم قادرون على تصوير ما يشاءون على أنه الحقيقة والواقع , مهما كان فيما ينشرون من أكاذيب وافتراءات.وكان يزيدني ألما أنى أعرف الحقيقة وأكتمها , وما كان بيدي نشرها , رغم أنى حاولت مرارا, ولكن دون ذلك تصدى الأجهزة والتنظيمات , ذوى القدرة والمقدرة بالتهديد مرة , وبالتشهير مرة أخرى .وكان حريا بى أن أنشرها خارج مصر , لولا أنى أكره اللجوء إلى جهات خارجية لنشر كتاب , اعتبره موضوعا مصريا صميما , لأن هذا الموضوع قضية مصرية , وأشخاصه مصريون , فلا ينبغي أن يطبع وينشر بأيد غير مصرية .إن أهم ما تنطوي عليه هذه المذاكرات , هو ذكريات الفترة الواقعة ما بين 5 يونيو عام 1967 حتى وفاة جمال عبد الناصر.ولا أظن إن فى مصر كلها من لم يكتو بنار هذه الحقبة , ولأني مصرية , فقد اكتوين بها مع سائر المواطنين , ولكنى انفردت بنصيب أوفر من العذاب بحكم زواجي من المشير عبد الحكيم وبحكم ما عرضني له هذا الزواج من الاعتقال, والتشهير والتعذيب فى مبنى المخابرات العامة , وبحكم المضايقات والتعقب بعد الخروج وإطلاق سراحي .ولكن وقوف الأجهزة حائلا بيني وبين نشر المذكرات لم يطل , ففى شرع الزمان إن دوام الحال من المحال , فكان إن تبدل الحال , واختفى الباطشون باختفاء أوقاتهم , وابتلعهم الزمان و وأخلى ما بيني وبين مذكراتي .إن الحقيقة " أمانة فى عنق من يحملها , والله يقول :" إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" فكان لزاما أن أضع هذا الحمل عن عنقي , وأنا شاهدة على كثير من الحقائق التى مرت بى خلال حياتي معه .ولذا فإن أول أهداف مذكراتي – المشير وأنا – هو جلاء الحقيقة , كما رأيتها وعشتها فى بيت المشير , تلك الحقيقة التى شوهت وطمست عمدا عن رجل ما أحب شيئا مثلما أحب مصر وجيشها , وما دافع عن شئ بقدر ما دافع عن الحرية , والديمقراطية ذلك الرجل هو المشير عبد الحكيم عامر الذى قضى عليه بالموت , بسبب حبه لخالص لمصر ذلك الحب الذى لا تشوبه شائبة شرقية ولا غربية , وهو بالتحديد , ذلك الحب الذى ينبغي أن يموت فى نظر أ‘داء الوطن.إن هزيمة ه يونيو , ومصرع المشير , أذيعت قصتهما من جانب واحد , هو جانب جمال عبد الناصر , ومراكز القوى , وبعض أعضاء مجلس الثورة , ممن التزموا طريق " الموافقة" على الدوام لضمان سلامتهم , حتى لا يطاح بهم مقلما أطيح بمحمد نجيب , و[[يوسف صديق]] , وعبد المنعم أمين , وصلاح سالم , وجمال سالم , وكمال الدين حسين , وغيرهم ممن لا تخفى أسماؤهم على الجميع.أما الجانب الآخر فقد أخرس لسانه , إما بالقتل , أو السجن, أو التهديد . وقد آن الأوان لهذا الجانب الصامت أن يتكلم , لأن الحقيقة لا تعرف من جانب واحد. ويكفى هنا أن أشير إلى هزيمة الجيش فى 5 يونيو , وما أعقب ذلك من حملة تشهير ضد جنوده وضباطه وقياداته , كما أشير إلى ملاحظة أمة أخرى , تكشف عن دور مراكز القوى أو ألأجانب الذى يتكلم – فى إلحاق الهزيمة بالجيش وإلصاق التهمة بعبد الحكيم عامر وإطلاق الشائعات لتشويه جيش مصر – هذه هى الأجهزة والتنظيمات !!والملاحظة الهامة التى أشرت إليها , هى أن جيش 5 يونيو المهزوم هو ذاته جيش السادس من أكتوبر المنتصر , وإن قيادات أكتوبر هى ذاتها قيادات 5 يونيو , هى ذاتها ضباط الجيش فى الحرب 1956 .وأضيف إلى الملاحظة السابقة ملاحظة أخرى , هى أنه لا يمكن إعداد جيش قوى خلال بضعة أعوام هى الفترة من عام 67 إلى عام 1973 , وأن الجيش الذى عبر هو نفسه الجيش الذى تعرض لمؤامرة خمسة يونيو , وكان صاحب الفضل فى تكوين جيش مصري قوى , هو المشير عبد الحكيم عامر و بوصفه مسئول عن تحقيق أحد مبادئ الثورة وهو " إنشاء جيش وطني قوى" .ولقد استطاع المشير أن يقوم بالمهمة الجليلة , فأنشأ جيشا قويا من حيث الكم والكيف , فبينما كان الجيش قبل الثورة لا يزيد على عشرين كتيبة أصبح تحت قيادة المشير عبد الحكيم عامر جيشا مؤلفا من مائتي كتيبة , أما من حيث الكيف فقد أنشأ الكلية الفنية العسكرية , وهى من أرقى الكليات العسكرية فى العالم ومهمتها تخريج علماء عسكريين , وأنشأ الصاعقة, والمصانع الحربية , وفى عهده بدأوا فى إنتاج طائرات وإجراء تجارب لغواصات وقاموا فعلا بتجربة غواصة جديدة .إن إنشاء جيش قوى وطنى كان أحد المبادئ الستة للثورة , وفى وصف الجيش بأنه " وطنى قوى" كان مكمن الخطر , الذى أودى بحياة المشير , وأوقع الهزيمة فى 5 يونيو بالجيش المصري عن طريق التآمر لا عن طريق الحرب !!لقد نجح عبد الحكيم عامر فى إنشاء هذا الجيش الوطني القوى , فكان لابد من مؤامرة حاكها الروس لتمزيق هذا الجيش , وتدمير قادته عن طريق عملائهم و لأن عبد الحكيم وقادة الجيش الوطنيين كانوا يمثلون عقبة فى طريق أحلامهم فى إقامة قواعد لهم على أرض مصر , تمهيدا للسيطرة والاحتواء .كان عبد الحكيم يريد وطنا خالصا , بلا تبعية ولا هيمنة أجنبية فهو القائل :" الشيوعي عميل, والأمريكي عميل , أنا مصري" ولذلك وجب التخلص منه ومن جيشه.ونشير هنا إلى أن الروس لم يتمكنوا من إقامة قواعد لهم فى مصر إلا بعد هزيمة 5 يونيو والتخلص من عبد الحكيم عامر والقادة الوطنيين. فهم الذين استدرجوا مصر إلى هذه الحرب,وعملائهم أجهزوا على بقية القادة الوطنيين فى الجيش وعلى رأسهم عبد الحكيم عامر , وبعدها افتتح الباب أمامه, فأقاموا قواعدهم ,وأدخلوا خبراءهم العسكريين حتى أصبح عددهم يربو على الستين ألفا داخل الجيش المصري , وأفلح هؤلاء العسكريون الروس فى شل حركة الضباط المصريين داخل الجيش, ,وبلغ بهم الأمر إن صارت قواعدهم داخل مصر منطقة محرمة على المصريين ... حتى بلغ الأمر أن قاعدة روسية منعت وزيرا مصريا من دخولها , وكلنا نذكر واقعة طرد الخبراء الروس التى قام بها الرئيس السادات.وبعد أن خلت البلاد منهم حارب الجيش وانتصر , وكان هو ذاته الذى انهزم وشوه فى حرب يونيو , والفارق أنه حارب وليس على أرض مصر أى وجود للسوفييت و بل إن عملاءهم أيضا كانوا أبعدوا عن مراكز القيادة , حوكموا بمحكمة أمن الدولة العليا , بتهمة العمالة والتآمر وصدر ضدهم أحكام فى القضية رقم ( 1) لسنة 1971 .إن تبرئة المرحوم المشير عبد الحكيم عامر مما ألصق به من تهم وشائعات هى الهدف الأول من كتابة هذه المذكرات.وأطرح هنا سؤالا :" إذا كان المشير قد تخلى عن مناصبه , رفض العودة إليها رغم الإلحاح فلماذا حوصر بيته بلواء كامل من لواءات الجيش , ولماذا انتزع انتزاعا أمام أعين أبنائه ولماذا لم ينتحر إلا بعد أن أصبح بين أيديهم وبعيدا عن العيون ؟!ولقد طلب المشير مرارا أن يقدم للمحاكمة .. فلماذا لم يحاكموه , ليظهروا للعالم صحة ما نسبوه إليه من أخطاء وإدعاءات إلا أن يكونوا قد خافوا أن تظهر براءته أو خافوا إن تظهر الحقيقة فتضر من أرادوا إدانته؟!أما الهدف الثاني فهو التأكيد على أن المبدأ الرئيس لعبد الحكيم عامر هو الولاء الكامل للوطن ورفض العمالة بأى صورة من صورها.ومن المهم هنا أن أوضح أتى لست ضد مبادئ ثورة 23 يوليو فلا أحد يقف ضد مبدأ العدالة الاجتماعية أو إقامة جيش وطنى أو إقامة حياة ديمقراطية أو الوحدة العربية , وغير ذلك من المبادئ فهى يؤمن بها كل وطنى مخلص لبلاده .وأوضح أيضا أن جمال عبد الناصر ليس هو ثورة 23 يوليو لأن الثورة مبادئ , وبقدر ما تحقق الثورة من مبادئها بقدر ما تؤكد وجودها , وبقدر ما تهمل من مبادئها بقدر ما تهمل من وجودها . فإن أخطأ جمال عبد الناصر , فليس معنى ذلك أن المبادئ خاطئة , دائما, وإنما معناه أن حاكما فردا أخطأ, أما المبادئ فنحن نتمسك بها ونجلها ونشارك فى ذلك كل الشرفاء فى مصر والعالم العربي.إن مأساة عبد الحكيم عام67 لا تتحدد إلا فى كراهية الروس له , وثانيا مع جمال عبد الناصر , وهذا الخلاف كان يقوم على مطالبة عبد الحكيم المستمرة بضرورة التخلص من الروس , والانفتاح على الغرب , وإقامة حياة ديمقراطية , حتى يحترمنا العالم , وإقامة أحزاب سياسية ويكون لكل حزب صحيفة , مع إطلاق حرية التعبير وتوفير حصانة صحفية للصحفيين , وتشجيع رأس المال الخاص !!!كان هذا هو " مشروع عبد الحكيم عامر " الذى أثار ضده حفيظة الروس , خصوصا أنه قابل فعلا وفدا أمريكيا بفندق شبرد عام 1966 بالاتفاق مع جمال عبد الناصر بل وأقنع ناصر بمقابلتهم الذى قابلهم فعلا برئاسة الجمهورية , وأثناء هذا الاجتماع وجهوا الدعوة للمشير لزيارة أمريكا , ولكن جمال أرسل بدلا منه أنور السادات .وعلى هذا نستطيع القول أن ناصر وعامر كانا صديقين على طرفى نقيض و ويؤكد هذا قول لمشير " أليس من مهازل القدر , أن يكون أصدق صديق لى , هو ألد عدو لي؟!"فماذا يكون رأى الروس وعملائهم فى مثل هذا الرجل ؟!بالطبع يكون الرأي أن رجلا كهذا يجب التخلص منه لكن كيف؟تجدون الإجابة بداخل هذا الكتاب""