تأتي هذه الرسالة ضمن سلسلة التراث التربوي وهي تحت عنوان الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه ومؤلفها هو "أبي هلال الحسن بن عبد الله العسكري اللغوي الأديب، وفيها ينطلق العسكري من المكانة التي يراها للعلم والأهداف التي يسهل الوصول إليها بواسطته والتي تتشابك لديه مع فكرة (الكمال الإنساني)، هذه الغاية التي لا يمكن إدراكها والثبات في...
قراءة الكل
تأتي هذه الرسالة ضمن سلسلة التراث التربوي وهي تحت عنوان الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه ومؤلفها هو "أبي هلال الحسن بن عبد الله العسكري اللغوي الأديب، وفيها ينطلق العسكري من المكانة التي يراها للعلم والأهداف التي يسهل الوصول إليها بواسطته والتي تتشابك لديه مع فكرة (الكمال الإنساني)، هذه الغاية التي لا يمكن إدراكها والثبات فيها إلا بواسطة العلم. ويحاول أبو هلال استثارة اهتمام والثبات فيها إلا بواسطة العلم. ويحاول أبو هلال استثارة اهتمام طالب العلم في وصفه للعلم بالصفات التي يرغب الإنسان أن يعيش في ظلالها والتي إن لم تحصل كان (التقصير في المر قصوراً) و(التفريط بالتحصيل هو عدم التوفيق)، فالعلم لديه "مؤنس في الوحدة ووطن في الغربة وشرف للوضيع وقوة للضعيف ويسار للمقتر ونباهة للمغمور". ويستشهد لرأيه بأمثلة من حياة بعض المشهورين بالعلم ممن لم تؤهلهم أنسابهم ولا أوضاعهم الاجتماعية لنوال المكانة الرفيعة في بيئاتهم بل حقق لهم ذلك العلم الذي حرصوا عليه فأصبحوا مقصد الطلاب وملجأ المتعلمين وموجهين للعامة الخاص، مثل الحكيم لقمان، الذي كان عبداً فأصبحت كلماته حكماً يتداولها الناس ومثل المحدث سليمان الأعمش واللغوي الرياشي والفقيه عطاء بن أبي رباح والمفسر مجاهد بن جبر.إن الكمال الإنساني الذي يلح عليه أبو هلال يتمثل في أن العلم يحقق مجموعة من الأهداف الإنسانية الكبرى، من غير الممكن للمرء أن يدركها بمجموعها إلا بواسطة العلم، كما يرى، بل إن العالم يصل إليها دون وسائلها المعتادة لأن العلم يتجاوز ما تعارف علي الناس من أسباب لنيل المكانة والشهرة.إن هذه المكانة الهامة للعلم وقدرة المعرفة على تحقيق هذه الإنجازات تستأهل من الدين، كما يرى العسكري، أن يتنازل عن بعض المبادئ مقابل تحصيل هذه القيمة، فالحسد والملق (أي المداراة) وإن كانتا من رذائل السلوك إلا أن العسكري يستشهد بحديث نبوي ليؤكد قبول هاتين الخصلتين والصفح عنهما مادام الأمر يتصل بالسعي للتعلم.هذا وإن انطلاقة العسكري لتأكيد على هذه المعاني المذكرة للعلم لإقناع الطالب وحثه على طلب العلم مدعماً رأيه برواية بعض الأحاديث النبوية وأقوال العلماء والشعراء وهي تمثل هنا دوافع إنسانية للتعلم، توضح إدراك أبي هلال لدور الدوافع في عملية التعلم، وخصوصاً إشاراته إلى إنجازات العلم في النجاح الاجتماعي وتحقيق الذات.وفي توجيهاته التعليمية ينقلنا العسكري من المبادئ العامة في التعلم إلى بعض التفاصيل التي تعتبر وسائل لإنجاح التعلم وتثبيت العلم لتحقيق أهدافه ومنفعته، فيذكر لنا أن "نعم المعلم الدرس، ونعم المعين السهر، ونعم الدليل السراج، ونعم القائد الليل، ونعم المذكر الكتاب" فالدرس هو معلم، وحضوره والاهتمام به والمداومة عليه أمور ضرورية، فهو يمهد طريق العلم، فلا بد من الحضور المبكر غليه والبحث عن الحلقات العلمية المفيدة حيث تكون، ولو في المناطق النائية كما ينبغي التحذير من التغيب عن الحضور ففيه تضييع كبير ونسيان للعلم (فمن غاب خاب).والسهر هو المعين تشجيعاً للنفس على عدم الركون إلى الراحة والنوم والهدوء، فلا بد من التعب والكد، الذي أظهر ما يكون في سهر الليالي، ويروي لنا ما فعله البعض من عجائب الأفعال لإعانة أنفسهم على السهر ليلاً.بالإضافة إلى ذلك يذكرنا العسكري بالتدريج في تلقي العلوم حتى لا يثقل الحمل على الطالب وأن يبدأ منه بالأهم فالمهم، ويختار منه ما هو أنشط له وطبعه به أعنى، ويؤكد أن محاولة العلم بكل شيء فيوقت واحد ضرب من الجنون، وكانت هذه النصيحة ضرورية فيما مضى لعدن تقييد الطلبة بمناهج محددة فلهم الحرية في رسم خط سير الدراسة وانتقاء العلوم التي يرغبون، وقد تبدل هذا الأمر في العصور الحديثة بوضع المؤسسات التربوية مناهج يتفق عليها بعد الدراسة والتجربة.ومما لا ريب فيه أن رسالة العسكري هذه على رغم ضآلة حجمها فقد أوفت بالهدف الذي وضعها مؤلفها من أجله، ففيها المبادئ والقواعد التربوية التعليمية، و فيها الخبرات وأخبار العلماء والمتعلمين، وفيها النصائح والتوجيهات المرتبطة بالمجال التربوي، وبذلك يستشعر المطالع لها أنها تتضمن حثاً واضحاً حقيقياً مخلصاً على طلب العلم أعطى للفكر التربوي مساهمة طيبة تدل على ما كان لأسلافنا من عناية بهذا الجانب الذي لولاه لما بلغوا ما كانوا عليه من حضارة ورقي.