تشكل"أرض المدامع" رواية يتقابل فيها الواقع والأحلام، ويفرض التاريخ سحره ويعلن الحاضر سطوته وقسوته، حيث الساردة والسارد يهيمان في رحلة الكشف عن سر يضيء وجودهما وعن كنز يعيان أن الطريق إليه حارق.هي رواية عن الحب والفقدان والثورة والأحلام وعن انتكاسات متبوعة بقدرة كبيرة على المقاومة والانبعاث. رواية قاسية لما تحمله بين طياتها من أل...
قراءة الكل
تشكل"أرض المدامع" رواية يتقابل فيها الواقع والأحلام، ويفرض التاريخ سحره ويعلن الحاضر سطوته وقسوته، حيث الساردة والسارد يهيمان في رحلة الكشف عن سر يضيء وجودهما وعن كنز يعيان أن الطريق إليه حارق.هي رواية عن الحب والفقدان والثورة والأحلام وعن انتكاسات متبوعة بقدرة كبيرة على المقاومة والانبعاث. رواية قاسية لما تحمله بين طياتها من ألم متعدد: ألم الذات التي قدر لها أن تكون فاقدة للهوية لقيطة بلا أصول، وألم الواقع العفن الذي يستهتر بالحقوق.واقع يتعامل فيه مع البشر على أساس أنهم أشياء تافهة: فقر وعري وفساد وقهر وعنف وتهميش ومصادرة لأبسط حقوق العيش. وألم النحس المطارد للشخوص الروائية التي فشل أغلبها في بلوغ مراميه، وتحقيق برنامجه السردي المتمثل في الكنوز المبحوث عنها، والتي أضحت كلها فخاخا ومتاهات تتعثر فيها وبواسطتها خطوات الرواة والشخصيات.فالساردة عانت عذابا نفسيا داخليا جراء حرمانها من والديها اللذين تخليا عنها قبل أن تفتح عينيها على العالم، وجراء عار لم ترتكبه ظل يطاردها طيلة حياتها مثل نحس. العار الذي سببته لها نشأتها في ماخور، ناهيك عن المأساة التي عاشتها وسكان مدينتها تطوان بفعل مشاركتهم في أحداث الريف، حيث تحولت شوارع المدينة إلى فوضى من الحرائق والجثامين والدماء، وأصابت الجيش لوثة قوية لإشعال العنف والاعتقال والتعسف والتعذيب لكل من شارك في المظاهرات الصاخبة للمطالبة بالإصلاح والتغيير، قصدا أو صدفة.فضلا عن ذلك، فالمحكي الروائي للدامون يستعرض نتفا من تاريخ المغرب في شقيه القديم على العهد الروماني، والحديث على عهد النظام السابق إبان سنوات الرصاص، حيث حصد القمع الهمجي أرواح الآلاف وعذب عشرات الألوف في سجون مجهولة تحت الأرض بسبب الانتفاضات الشعبية التي عرفتها كل جهات المغرب بتأطير من الفصائل الشيوعية التي نادت بالتغيير الشامل والحكم الجمهوري بدل الملكية. في ظل الأحزان التي يؤججها مسرد الرواية لم يتبق للشخوص سوى الهروب عبر الخيال لمعانقة أحلام قد لا تجيء إلا على سبيل المجاز، وذاك ما فعلته الساردة بطلة الرواية عبر حلمها بحوريات ينتشلنها من كوابيس الواقع، قبل أن تقرر الإفلات والعودة في حين لاذ أحمد -رفيقها في النضال- بالجنون، ولاذ أمير وأسرته بالهروب إلى إسبانيا بحثا عن وكر هانئ."تبقى رواية "أرض المدامع" حفرية ثانية من حفريات الدامون في تاريخنا الشخصي المنسي، وترميما لشروخ ذاكرة أفزعتها العواصف والهبات العنيفة".