يقول المؤلف في مقدمة كتابه بأن التقديس الأعمى للحقائق الذي ساد في القرن التاسع عشر قد اكتمل ووجد مبرراً في التقديس الأعمى للوثائق، فقد كانت الوثائق بمثابة تابوت العهد في معبر الحقائق. وكان المؤرخ الموقر يدنو منها وهو منخفض الرأس ويتحدث عنها بجلال واحترام، فإذا وجدت الحقيقة في الوثائق فهي حقيقة إذن ولكن ماذا تخبرنا الوثائق-المراس...
قراءة الكل
يقول المؤلف في مقدمة كتابه بأن التقديس الأعمى للحقائق الذي ساد في القرن التاسع عشر قد اكتمل ووجد مبرراً في التقديس الأعمى للوثائق، فقد كانت الوثائق بمثابة تابوت العهد في معبر الحقائق. وكان المؤرخ الموقر يدنو منها وهو منخفض الرأس ويتحدث عنها بجلال واحترام، فإذا وجدت الحقيقة في الوثائق فهي حقيقة إذن ولكن ماذا تخبرنا الوثائق-المراسيم والمعاهدات والكتب الزرقاء والمراسلات الرسمية والأوراق الخاصة واليوميات-إذا ما تقمصناها بدقة؟ ما من وثيقة بوسعها أن تخبرنا أكثر مما أراد لها محررها، الشيء الذي اعتقد هو بأنه حدث أو الذي اعتقد بوجوب حدوثه، أو أنه سيحدث، أو لربما بما أراده من الآخرين أن يفكروا بما فكر به، أو حتى فقط ما أراد هو نفسه، أن يعتقد بأنه فكرية على ضوء هذه المعطيات يمكن القول بأن ما أراده المؤلف من وراء كتابه هذا هو إعطاء معنى فلسفي للتأرخة أو تفسير عمل المؤرخ تفسيراً مغايراً إلى ما هو مركون في الأذهان على أنه استيعاب حقيقي واقعي لحدث في يوم ما وسنة ما، بل وبرأي المؤلف، أن عمل المؤرخ يتعدى الإمساك بزمام الزمن إلى الإمساك بزمام الموت من وجهة نظره وقناعته، وبعبارة أخرى فالموت والزمان ليسا هما بيت القصيد، إنما المؤرخ نفسه يطرح المؤلف فلسفته تلك ضمن دراسة استلزمت منه الخوض في المواضيع التالية: المؤرخ وحقائقه، المجتمع والفرد، التاريخ والعلم والأخلاق، السببية في التاريخ، التاريخ بوصفه تقدماً، الآفاق المتوسعة.