إن موضوع هذه الرسالة هو أصول الدين =العقائد، وهذا الموضوع من أصعب علوم المسلمين، وأكثرها تشعباَ، كما أنه أشدها خطراً، لأن الزلل فيه ليس كالزلل في غيره، فهذا العلم يتعلق بالله سبحانه وصفاته وكتبه ورسله. كما أن هذا البحث يعرض لمظاهر الخلاف بين المتكلمين المسلمين، وهذه المظاهر بحر متلاطم، يعسر حصرها، وذلك بسبب وفرة المسائل التي تعر...
قراءة الكل
إن موضوع هذه الرسالة هو أصول الدين =العقائد، وهذا الموضوع من أصعب علوم المسلمين، وأكثرها تشعباَ، كما أنه أشدها خطراً، لأن الزلل فيه ليس كالزلل في غيره، فهذا العلم يتعلق بالله سبحانه وصفاته وكتبه ورسله. كما أن هذا البحث يعرض لمظاهر الخلاف بين المتكلمين المسلمين، وهذه المظاهر بحر متلاطم، يعسر حصرها، وذلك بسبب وفرة المسائل التي تعرض لها المتكلمون، وبسبب كثرة المذاهب الكلامية، وكثرة خلافات العلماء في المذهب الواحد بله المذاهب الأخرى.وإن تنوع مصادر هذه الدراسة لهو دليل بين على وعورة مسالك هذا الموضوع ودقة مباحثه، ذلك بأن مسائل أصول الدين يرجع الجدل فيها إلى جملة من الأصول النحوية واللغوية والبلاغية، لو أن المرء تفرغ لدراسة أصل من تلك الأصول الثلاثة لكان ذلك عليه شاقاً وعسيراً، فكيف بدراستها مجتمعة.ومن مظاهر صعوبة البحث تناثر مسائل اللغة في ثنايا كتب العقائد، ولذا كان علي المؤلف من يجمع المادة المراد دراستها من كم هائل من المسائل العقدية العسرة، والتي صيغت في أغلب المصنفات صياغة كلامية منطقية.وقد نهج في هذه الدراسة منهجاً قائماً على الأسس التالية: آثر في البدء أن أعرض لمفاهيم لغوية عامة، لتكون المدخل إلى صلب الموضوع، وذلك كمباحث أصل اللغة، والاسم والمسمى، واللفظ والمعنى، والحقيقة والمجاز. بوب الرسالة بحسب الدليل النحوي واللغوي، لا بحسب المسألة العقدية، ولذا قد تكرر مسألة عقدية من مبحث، ذلك بأنها قائمة على أدلة نحوية ولغوية متنوعة. هذا وكان أحياناً يسمى عنواناً ثنائياً نحو "ما الموصولية وما النافية" و"باء السبب وباء الثمن" إشارة إلى جوهر الخلاف اللغوي في المسألة المدروسة.اعتمد في الإشارة إلى آراء المذاهب الإسلامية على أمهات كتب العقائد والتي تنتظم عقائد أهل الحديث والأشاعرة والمتريدية والمعتزلة والشيعة والزيدية والإباضية، إلى غير ذلك من الطوائف الإسلامية. من أهم خطوات البحث التنقيب في كتب العقائد عن المسائل العقدية المرتبطة بمباحث اللغة العربية على سعة شعابها، والتي استخدم فيها المتكلمون المسلمون اللغة سلاحاً لتدعيم آرائهم تارة، ولرد آراء الخصوم تارة.هذا ولم يقصر البحث على الخلاف الدائر بين المذاهب العقدية الإسلامية في فهم نصوص القرآن الكريم فحسب، بل وفي نصوص السنة النبوية الشريفة كذلك. ولذا عرض للآيات والأحاديث العقدية التي تحمل دلالات لغوية أو نحوية أو بلاغية تباينت فيها أنظار علماء أصول الدين.الأزمة الحضارية التي تعيشها الأمة الإسلامية اليوم أزمة شاملة وهي بالأخص أزمة فكرية. وعلى الأمة إن أرادت استعادة وعيها الحضاري، واستئناف دورها الريادي في الحياة أن تبدأ التجديد في لغتها، لأنها وعاء الفكر وقالبه، بل هي الفكر ذاته. وذلك بأن ينظر إلى اللغة نظرة عميقة واسعة، تراجع بها اللغة وطرائق استخدامها ومظاهر سعتها لتسترد اللغة مكانتها اللائقة كأداة فاعلة في تفسير النصوص.