عند قبر تولستوي لا يسع الإنسان إلا أن يفكر في الكبرياء والخشوع معاً، فقد أوصى الكاتب ألا يضعوا على قبره تمثالاً أو لوحة تحمل اسمه، وذلك لإيمانه بالخشوع الروحي، ولكنه مع هذا اختار مكان القبر على نحو مثير: تولستوي والطبيعة.تشيخوف كان متواضعاً، و لم تتوارد فكرة الخشوع إلى ذهنه فلسفياً، ذلك لأن التواضع كان نابعاً من أعماقه، فهو لم ي...
قراءة الكل
عند قبر تولستوي لا يسع الإنسان إلا أن يفكر في الكبرياء والخشوع معاً، فقد أوصى الكاتب ألا يضعوا على قبره تمثالاً أو لوحة تحمل اسمه، وذلك لإيمانه بالخشوع الروحي، ولكنه مع هذا اختار مكان القبر على نحو مثير: تولستوي والطبيعة.تشيخوف كان متواضعاً، و لم تتوارد فكرة الخشوع إلى ذهنه فلسفياً، ذلك لأن التواضع كان نابعاً من أعماقه، فهو لم يشعر أبداً بأنه نبي أو معلم أو أستاذ كبير... بل إنه لم يعرف ماذا يعني الإحساس بالتفوق، أما بعض انعزاليته فتعزى إلى حيائه الروحي ورقته وليس إلى رغبته في الابتعاد عن المحيطين به.وقد كافح تشتخوف-طويلاً وبعناد-كل الخواص التي كان يعتبرها من العيوب والنواقص في شخصيته، لكنه لم يضطر إلى مكافحة أحاسيس الفخر والكبرياء لأنه لم يكن يعرفها أصلاً، وكان تشيخوف يتحاشى المجد، ففي سنة 1889 (وكان عمره آنذاك 29 عاماً) زار بيتربورغ، ووجد نفسه فجأة محاطاً ببعض هؤلاء الذين يتجمهرون حول كل شهير سواء أكان فناناً أم محامياً أم بطلاً رياضياً، فما كان من تشيخوف إلا أن ينظر إليهم بسخرية وكتب لأخيه يقول: "لقد كنت أسبح في المجد واستنشق البخور...".إن المجد لم يجعله أعمى، بل العكس هو الصحيح، فقد ضاعف المجد من شكوكه في تقيم أعماله. لقد كان تشيخوف بمثابة قاض صارم لنفسه، وكان أيضاً قاسياً عليها بشكل غير عادل... فمثلاً، بعد نشره لكثير من قصصه المعروفة كتب إلى تيخونوف (وهو أديب يكاد أن يكون مطموراً) يقول: "... سنأخذ جهد كل الجيل ليس إلا، وسيسموننا كلنا سنوات الثمانينات أو نهاية القرن التاسع عشر أي أننا نعتبر بشكل أواخر جمعية تعاونية، ولن يكون هناك تشيخوف أو تيخونوف أو كورولينكو أو شيغلوف أو باراتستفيتش أو بيزيتسكي...".عن هذا الأديب المتميز يتحدث هذا الكتاب الذي بين يدينا من سلسلة "أعلام الفكر العربي" متوقعاً عند سيرته الذاتية ومحللاً وناقداً لنتاجاته الفكرية والأدبية ولأسلوبه في تصوير المشاهد والأحداث.