كتب الناقد الكبير "إدمون ولسون" هذا الكتاب وهو على مقربة زمنية من موضوعه، إذ كان خمسة من الأدباء الستة الذين هم محور البحث الرئيسي، ما زالوا على قيد الحياة، ولم يكن قد مر على وفاة مارسل بروست إلا سنوات قلائل. أما أليوت، فكان في مطلع أربعيناته، ولم يكن قد كتب بعد أياً، من "رباعياته الأربع"، أو أيا من مسرحياته، فضلاً عن بعض نقده ا...
قراءة الكل
كتب الناقد الكبير "إدمون ولسون" هذا الكتاب وهو على مقربة زمنية من موضوعه، إذ كان خمسة من الأدباء الستة الذين هم محور البحث الرئيسي، ما زالوا على قيد الحياة، ولم يكن قد مر على وفاة مارسل بروست إلا سنوات قلائل. أما أليوت، فكان في مطلع أربعيناته، ولم يكن قد كتب بعد أياً، من "رباعياته الأربع"، أو أيا من مسرحياته، فضلاً عن بعض نقده المتأخر.وكان في اختيار "إدمون ولسون" هؤلاء الأدباء بالذات (مع الإشارة بالطبع إلى عشرات الآخرين)، دليل على إحساسه الصائب بحقيقة ما كان يجري في عالم الأدب الإبداعي أيامئذ. فلئن يكن أدب الثلث الأول من هذا القرن امتداداً، أو نهاية منطقية، للرمزية التي سادت في أواخر القرن الماضي، كما يبرهن المؤلف، فإن الكثير من العوامل الفاعلة فيه، والتي يحللها الناقد بحذق ودراية، بقي فاعلاً في أدب العصر الحديث، أدب ما بعد الثلاثينات، الذي لن يتسنى لنا فهمه على حقيقته إلا باستيعاب الفترة التي يتفحصها هذا الكتاب.وهذا بالضبط ما يجعلنا نعتبر "قلعة آكسل" من أعمال النقد الباقية، والتي لا تقل شأناً اليوم عما كانت عليه عند ظهورها الأول. فإدمون ولسون بمعرفته الموسوعية ومنطقة الديالكتيكي، يرى كيف تتوازى التيارات، وتستمر أو تتضاد، في خلق المناخ الأدبي. وهذا المناخ يتمثل بأعلام يستقون أصالتهم من ينابيع النفس الداخلية، ولكنها ينابيع تسترفد بالضرورة أعماقاً سابقة أو مشتركة، وتصبح هذه الأصالة فيما بعد مؤشراً إلى أصالات جديدة تنتظر من يحققها.والصلة بين التجربة والأدب، بين الواقع والخلق، التي ينتهي الناقد إلى التأكيد على ضرورة إقامتها، متمثلاً بتجربتين متضادتين: تجربة رامبو المدهشة الفاعلة من ناحية، وتجربة "آكسل" الرافضة للفعل من ناحية أخرى، هي من أهم ما شغل الروائيين والشعار في الفترة اللاحقة، حين حاولوا الدمج بين قوة الرمز الإيحائية وبين معاناة المعاش، إيجاد لأسلوب في الكتابة وموقف من الحياة، ترك كلاهما أثره العميق لا في الآداب الغربية وحدها، بل في أدبنا العربي أيضاً، في ربع القرن الأخير.